تركيا باتت وجهة مفضلة للمهاجرين منذ سنوات، فعدا عن حسن استقبالها لهم، يحاولون العبور منها نحو دول الحلم الأوروبي
يعتبر الأكاديمي، وهبي بايصان، أنّ أسباباً كثيرة تقف وراء اختيار المهاجرين تركيا، لتكون موطناً بديلاً لهم، ريثما تنتهي الأزمات والحروب التي تعيشها بلادهم، خصوصاً البلدان العربية التي شهدت ثورات مضادة وحروباً، بعد ثورات الربيع العربي.
يفسر بايصان، وهو أستاذ في جامعة “ابن خلدون” بإسطنبول، لـ”العربي الجديد”: “تتنوّع الأسباب، وأبرزها سهولة الدخول إلى تركيا، إذ لا تعقيد وتأشيرات مطلوبة وشروطاً مسبقة، بالنسبة لليمنيين والعراقيين والليبيين، وحتى للسوريين، قبل وضع بعض الشروط قبل عامين ووصول السوريين في تركيا إلى أكثر من 3.5 ملايين”. يتابع: “من الأسباب المهمة أيضاً أنّ تركيا، كحكومة، وقفت إلى جانب شعوب المنطقة العربية في تحررها ونيلها مطالب الحياة الكريمة وإنهاء عصر الديكتاتوريات، وهذا سبب مهم، جعل من تركيا مكاناً لتمثيل المعارضات التي تطالب بالعدالة الاجتماعية وتحسين ظروف العيش الكريم”. يردف: “كذلك فإنّ تركيا برأي كثيرين، معبر إلى أوروبا، بلاد الأحلام لكثير من شعوب المنطقة التي تعاني من الظلم والفقر واستلاب الحريات. لذلك، نجد كثيراً من المهاجرين، حتى غير العرب، يدخلون إلى تركيا لتكون معبراً لهم إلى أوروبا، وإن بطرق غير شرعية. وللأسف، يجازف كثيرون بحياتهم ويذهبون في ظروف خطرة عبر البحار التركية ليصلوا إلى أوروبا”.
تشير أرقام هيئة الإحصاء التركية، المتعلقة بالهجرة الدولية، إلى ارتفاع عدد المهاجرين إلى تركيا عام 2017، بنسبة 22.4 في المائة، عن 2016، بزيادة قدرها 466 ألفاً و333 شخصاً. وأوضحت المؤسسة التركية أنّ المهاجرين العراقيين احتلوا المركز الأول في قائمة الرعايا الأجانب الآتين إلى تركيا عام 2017، بنسبة 26.6 في المائة، تبعهم الأفغان بنسبة 10.4 في المائة، ثم السوريون بنسبة 7.7 في المائة، والأذربيجانيون بنسبة 5.7 في المائة، والتركمانستانيون بنسبة 5.6 في المائة.
وبلغت نسبة الذكور من بين المهاجرين 54 في المائة، وشكل المهاجرون من الفئة العمرية 25- 29 عاماً 12.3 في المائة، ثم 11.6 في المائة للفئة العمرية 20- 24 عاماً، و10.8 في المائة للفئة العمرية 30- 34 عاماً.
تشير الهيئة التركية إلى أنّ بعض المهاجرين فكّر في الاستقرار الدائم في تركيا عبر تملّك
منازل وعقارات، إذ بلغ عدد المساكن التي اشتراها العراقيون 3345 بيتاً، ومثلها كان عدد المنازل التي اشتراها السعوديون، بينما تملّك الكويتيون 1691 بيتاً، والروس 1331 منزلاً، والأفغان 1078. وخلال النصف الأول من العام 2018، بلغت مبيعات المساكن للأجانب 11 ألفاً و800 منزل، وكانت مدينة إسطنبول الأكثر بيعاً للمنازل من بين الولايات التركية، تلتها أنطاليا ثم بورصة ويالوفا وسكاريا.
تتفاوت الرعاية التي تقدمها تركيا للمهاجرين، ففي حين تقدم ملاجئ ومعونات شهرية للاجئين السوريين، تقتصر خدماتها لغيرهم على تسهيل الدخول وحسن المعاملة وعدم الملاحقة والمضايقة كما في أوروبا، بحسب مدير “مركز صدى للدراسات والأبحاث” بإسطنبول، محمد برو. يضيف برو لـ”العربي الجديد” أنّ سهولة الوصول إلى تركيا وانخفاض الأسعار وتكاليف المعيشة سبب مهم لاستقطاب المهاجرين، خصوصاً إذا قارنّا الوضع بأوروبا أو المناطق العربية المستقرة بالخليج العربي. كذلك، لعب الوجود العربي الكثيف في تركيا والتقارب الثقافي والديني دوره على هذا الصعيد.
يشير برو إلى أنّ تركيا تقدم للسوريين معونات شهرية، بحسب أفراد الأسرة، وتقدم السكن بالملاجئ، لكنّها لا تقدم لغيرهم من العراقيين واليمنيين والليبيين أي معونات “سوى ملاجئ لبعض العراقيين”، معتبراً أنّ الأسباب تراوح بين مجاورة تركيا لسورية ووجود حدود مشتركة بنحو 850 كلم، وربما الأهم أنّ المجتمع الدولي والدول المانحة دعما تركيا في هذا الجانب، خصوصاً على الصعيد المالي، والهدف عدم تدفق المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي والشمالي، كما أنّ السوريين مشمولون بقانون الحماية المؤقتة ويحملون بطاقات حماية مؤقتة، في حين يدخل غيرهم إلى تركيا بتأشيرة سياحة ويحملون إقامات سياحية إلى أجل محدد.
تسعى تركيا، بحسب مختصين، إلى إنصاف المهاجرين، خصوصاً اللاجئين السوريين، إذ أصدرت أخيراً قرارات صارمة، تصل إلى السجن 10 سنوات وغرامات مالية تصل إلى 60 ألف ليرة تركية (10000 دولار أميركي) لمن يتعدى على ممتلكات السوريين أو يتعرض لحياتهم بأيّ أذى، وذلك في أعقاب المشكلات التي شهدتها بعض الولايات التركية بين السوريين والأتراك وراح ضحيتها بعض القتلى في ولاية شانلي أورفا أخيراً. وافتتحت نقابة المحامين في تركيا، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قبل أيام، مكتباً حقوقياً للمهاجرين واللاجئين في شانلي أورفا. وقال نقيب المحامين بتركيا، متين فيزي أوغلو، خلال افتتاح المكتب، إنّ شانلي أورفا تحتضن أكبر عدد من السوريين، مشيراً إلى عدم وجود دولة أخرى مثل تركيا تحملت مسؤولية حيال اللاجئين. وأوضح أنّ المكتب سيحدد ماهية المساعدة التي يحتاج إليها اللاجئون وطالبو اللجوء والمدرجون تحت الحماية المؤقتة، وسيقدم استشارات قانونية لهم.
ويرى مراقبون أنّ أعداد السوريين في تركيا بدأت بالتراجع، خصوصاً بعد الاستقرار النسبي الذي تحقق شمال غرب سورية (محافظة إدلب) بعد اتفاق سوتشي الذي وقعته تركيا وروسيا أخيراً. يقول وكيل مدير إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية، عبد الله أياز، إنّ 50 ألف سوري ممن ذهبوا إلى بلادهم في إجازة العيد لم يعودوا إلى تركيا. ويوضح أنّ 153 ألفاً و258 سورياً توجهوا من تركيا إلى بلادهم في إجازة العيد الماضي، وفضّل 50 ألفاً منهم البقاء هناك طواعية.
يتابع أنّ عدد السوريين الذين غادروا إلى بلادهم بلغ 252 ألف شخص، بفضل العمليات العسكرية “درع الفرات” و”غصن الزيتون” التي عكست النجاح الإداري والعسكري لتركيا.
وأصدرت وزارة الداخلية التركية ودائرة الهجرة التابعة لها مؤخراً إحصائية جديدة لعدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، قالت فيها إنّه تجاوز 3 ملايين و424 ألف لاجئ سوري، مع تواصل العودة.
عدنان عبد الرزاق ــ العربي الجدد
Source : https://arab-turkey.net/?p=72027