في إطار الحديث عن “أعداء سوريا” وتكثيف محاولاتهم لاستنزافها عسكريًا واقتصادًا، خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب “البعث العربي الاشتراكي”، الأحد 7 من تشرين الأول، اعتبر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أنه مقبل على معركة “إعادة تأهيل بعض الشرائح التي كانت في حاضنة الفوضى والإرهاب”.
وبرر الأسد ذلك بـ”ألا تكون هذه الشرائح ثغرة يتم استهداف سوريا في المستقبل من خلالها”.
ما الشرائح التي تحدث عنها الأسد؟
الشرائح التي كانت في “حاضنة الفوضى والإرهاب”، بحسب تعبير الأسد، هي أبناء المناطق التي خضعت لاتفاق “تسوية” سواء مع قوات الأسد أو مع روسيا، والذين رغبوا بالبقاء تحت سلطتها، بالوقت الذي خرج فيه غير الموافقين على الاتفاق إلى الشمال السوري، آخر معاقل المعارضة.
اتفاقيات “التسوية” الموقعة مع المعارضة تتشابه شروطها، مع اختلاف طفيف بين اتفاق وآخر، بحسب خصائص المنطقة، وأهميتها وما تستطيع المعارضة تحصيله منها.
وتنص البنود الرئيسية التي وقعت في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي ومحافظة درعا والقنيطرة والغوطة شرق دمشق، على خروج غير الراغبين بالخضوع لاتفاق “التسوية” إلى الشمال السوري، وبقاء الراغبين بشروط التزامهم بقوانين “الدولة السورية”، إلى جانب تسليم السلاح الثقيل مع ضمان روسيا لمعظم تلك الاتفاقيات بعدم الملاحقة الأمنية للباقين في مدنهم وبلداتهم.
ولكن أفرع المخابرات السورية زجت المئات من الشباب الذين خضعوا لتلك الاتفاقيات في السجون، بنية التحقيق معهم، فيما يبدو تطبيقًا لمبدأ “إعادة التأهيل” الذي تحدث عنه الأسد.
اعتقالات (دفاع مدني، مصالحات، منشقين)
قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 3 من تشرين الأول، إنها وثقت ما لايقل عن 687 حالة اعتقال تعسفي في سوريا خلال، أيلول الماضي،
ووفق تقرير الشبكة، فإن 60% من حالات الاعتقال وقعت على يد قوات النظام السوري، وتعود لأشخاص أجروا اتفاقيات “تسوية” معه، بعد انخراطهم في صفوف المعارضة في وقت سابق.
وتواصل القوات شن حملات اعتقال في العديد من المناطق التي أجرت “تسوية أمنية” وسط وجنوبي سوريا، ما يعد خرقًا لبنود الاتفاق.
وبحسب تقرير الشبكة فإن معظم حالات الاعتقال، خلال الشهر الماضي، وقعت في محافظة الرقة (134 حالة)، تليها محافظة درعا التي شهدت اتفاقيات تسوية (109 حالات)، ثم الحسكة (79)، ودير الزور (70) وحلب (68) وريف دمشق (62) ودمشق (45) وإدلب (32) وحماة (28) وحمص (23) واللاذقية (21) والسويداء (9) وطرطوس (4) والقنيطرة (3).
وارتفعت حصيلة حالات الاعتقال التعسفي في سوريا، منذ مطلع عام 2018 وحتى تشرين الأول الحالي، إلى 6109 حالات، على يد جميع أطراف النزاع الفاعلة في سوريا.
وخلافًا لما تنص عليه بنود اتفاق “التسوية” الذي انتهى تطبيقه في ريف حمص الشمالي، في أيار الماضي، طالت حملات الاعتقال أشخاصًا كانوا يعملون سابقًا مع “الدفاع المدني”، وإلى جانبهم عدة شخصيات كان لها الدور الأكبر في تسيير اتفاق “المصالحة”.
وهذا ما حل في الغوطة شرق دمشق، إذ تفرض القوات إقامة جبرية على عشرات العاملين في منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية والمشافي في مراكز احتجاز مؤقتة، منذ سيطرتها على المنطقة، في آذار ونيسان الماضيين، وفق ما ذكر مراسل عنب بلدي في الغوطة الشرقية.
وفي مطلع أيلول الماضي، أفاد مراسل عنب بلدي في ريف حمص أن أفرع النظام الأمنية اعتقلت كلًا من الشيخ عبد الرحمن الضحيك، الشيخ أحمد صويص، الشيخ ياسين صويص (كسوم)، جهاد لطوف، وهم من شخصيات المصالحة في المنطقة.
وأوضح المراسل أن الشخصيات المذكورة عملت سابقًا في المحاكم الشرعية لفصائل المعارضة، وبعضهم بمهمات استشارية لفصيل “جيش التوحيد”.
وسبق هذه الحادثة اعتقال 23 منشقًا من الريف الشمالي، بعد إرسال تبليغات لهم عن طريق فصيل “جيش التوحيد”.
وبحسب المراسل لا يزال مصير المنشقين مجهولًا حتى اليوم، وكانت آخر المعلومات التي وصلت بخصوصهم أنهم في”الفرع 293″، والذي يتبع أيضًا لفرع المخابرات الجوية.
“التسوية” لا تشمل كل الراغبين بالبقاء
لم يشمل اتفاق التسوية جميع الأشخاص الذين بقوا في ريف حمص ورفضوا الخروج إلى الشمال السوري.
ونقل مراسل عنب بلدي عن مصدر مطلع على نتائج التسوية أن النظام السوري رفض تسوية أوضاع 400 شخص، بعد توجيه تهم لهم بالانتماء لفصائل عسكرية والمشاركة في عمليات القتل.
وقال المصدر إن النظام بصدد إصدار نتائج التسوية في ريف حمص خلال 15 يومًا، وتشير المعلومات المسربة إلى رفض تسوية 400 شخص بعد توجيه تهم مختلفة لهم.
وأوضح المصدر أن نتائج التسوية تأتي من قيادة “الأمن القومي” من العاصمة دمشق، ولم تعرف الإجراءات التي قد يتخذها النظام بحق الأشخاص المرفوضة تسوية أوضاعهم.
وهذا الوضع ينطبق على الغوطة الشرقية، إذ رفضت طلبات عدد غير معروف من الشباب الذين كانوا منتسبين لصفوف المعارضة، وطلبت إعادة عمليات التسوية في الأفرع الأمنية، ما يعني احتجاز الشباب داخل تلك الأفرع لفترات تراوحت ما بين الشهر وأربعة أشهر، وفق شهادة أحد الخاضعين لتلك العملية لعنب بلدي، والذي كان مقاتلًا في صفوف “فيلق الرحمن” أحد فصائل المعارضة بالغوطة الشرقية.
وما زالت قوات الأسد تقوم بإجراءات “التسوية” في الغوطة الشرقية وآخرها مدينة كفربطنا، ومن المفترض أن “لجنة التسوية” بدأت عملها، الاثنين 8 من تشرين الثاني، أي بعد أكثر من ستة أشهر على سيطرة قوات الأسد على المنطقة.
وإلى جانب الإجراءات الأمنية تعمل حكومة النظام على إصلاح “ما خربه الإرهاب”، بحسب توصيفها، من البنى التحتية في المناطق التي سيطرت عليها مؤخرًا، في الوقت الذي تعمل عليه الأفرع الأمنية على ضبط وتقييد المواطنين الذين كانوا يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة، وهو ما يصب بمفهوم “المجتمع المتجانس” الذي ذكره الأسد في آب العام الماضي، حين قال، “خسرنا خيرة شبابنا والبنية التحتية، لكننا ربحنا مجتمعًا أكثر صحة وتجانسًا”.
المصدر: عنب بلدي
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=71481