في كتابه “العواقب الاقتصادية للسلام” كتب جون كينز إن “معاهدة فرساي” صُممت لتدمر ألمانيا. وقد ثبت صواب ما قاله كينز، عندما بدأت ألمانيا بعد مدة من الزمن في استعادة قوتها وتوجيه ضربات لأعدائها، وبدأت الحرب العالمية الثانية.
كانت تركيا ضحية أخرى للحرب العالمية الأولى واضطرت إلى قبول “معاهدة لوزان” التي أجبرتها على الانسحاب من كثير من المناطق، وخاصة مناطق الطاقة. كما كان على البلاد أن تقبل بكثير من الالتزامات التي تتعارض مع مصالحها الاقتصادية، ومثلت عقبات في طريق التنمية. لم يُسمح لتركيا باستغلال موارد الطاقة الخاصة بها، ولم تتمكن حتى من فرض أي رسوم على مرور السفن في مضيق البوسفور.
أثر ذلك في تركيا تأثيرا كبيرا، واضطرت إلى الاعتماد على الطاقة المستوردة، مما زاد من فاتورة الواردات. كما حُرمت تركيا من الإيرادات الجيدة من مضيق البوسفور.
ورغم ذلك احتفظت تركيا بهدوئها وانتظرت حتى نهاية المعاهدة في عام 2023، وتستعد الآن لتحقيق الحلم القديم والاستفادة منه بعد حقبة 2023. وقد أشار الرئيس أردوغان إلى إعادة تشكيل المنطقة واستعادة المجد المفقود.
إعلان
إنه يحاول خلق ظاهرة يمكن أن تتوج بالنجاح لتحقيق المجد المفقود. وعلاوة على ذلك، طورت تركيا أيضًا رؤيتين أخريين بعد عام 2023، وهما رؤية عامي 2053 ورؤية 2071. وقد اختير هذين العامين للتذكير بإنجازين كبيرين في الماضي، حيث يحتفل عام 2053 بفتح القسطنطينية، ويحتفل عام 2071 بمرور 1000 عام على النصر الحاسم للسلاجقة الأتراك في موقعة ملاذ كرد.
سيعطي طموح تركيا قوة دافعة لموجة جديدة من التجديدات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق أخرى. ولتركيا في الشرق الأوسط في الوقت الحالي منافسان رئيسيان: المملكة العربية السعودية وإيران.
يتمتع كلا البلدين أيضا بنفوذ كبير في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ولكن تركيا ستبرز كقوة جديدة بخصائص مختلفة. تعد تركيا دولة متقدمة نسبيًا ذات اقتصاد متنوع مقارنة بالسعودية وإيران.
إعلان
وهي مصدر لكثير من المنتجات بما في ذلك الإلكترونيات والمعدات الدفاعية وما إلى ذلك. كما أنها واحدة من المحاور الرئيسية لنقل الركاب والطاقة. والأهم من ذلك أن اقتصادها لا يعتمد فقط على موارد الطاقة.
على أن انتهاء معاهدة لوزان سيدخل قطاع الطاقة إلى الاقتصاد التركي، ومن المتوقع أن تسعى تركيا بنشاط لاستكشاف مواردها في مجال الطاقة وقد تصبح لاعباً في السوق. تتطلع تركيا بالفعل إلى موارد الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط التي يعتقد إن قيمتها تبلغ نحو 3 تريليونات دولار.
إعلان
هذه العوامل كلها ستؤدي إلى إعادة تعريف علاقات تركيا التشاركية مع الدول الأخرى والدول الأخرى مع تركيا، ولن تكون باكستان استثناء من ذلك، لكنها ستكون في وضع معقد للغاية.
فمن ناحية، لدى باكستان علاقة وثيقة جداً مع تركيا والسعودية اللتين اضطربت علاقاتهما قليلا بعد قتل الصحفي جمال خاشقجي.
وعلى الرغم من أن باكستان نأت بنفسها عن ذلك الخلاف، ولكن الوضع سيكون مختلفا وصعبا في المرة القادمة. تتمتع باكستان أيضًا بعلاقة جيدة مع الدول الأوروبية والمملكة المتحدة، لكن تركيا دخلت في خلافات مع تلك المجموعة أيضًا. وهناك احتمال أن تظهر مشكلة المرور في مضيق البوسفور نهاية عام 2023، وسيكون على باكستان عندئذ أن تتخذ موقفا.
للدخول في شراكة ثنائية مع تركيا، سيكون على باكستان أن تخرج بأفكار ومهارات جديدة. وخلال زيارة رئيس الوزراء، عمران خان لتركيا تم التأكيد على أن البلدين يتمتعان بإمكانيات تجارية تصل إلى 5 مليارات دولار، لكن حجم التجارة في الوقت الحالي لا يتجاوز 500 مليون دولار. ومع ذلك، يظهر التحليل أن باكستان لم تعمل بجدية على الإطلاق لتحسين تجارتها ومنتجاتها.
تقدم باكستان منتجات لا يوجد لها سوق في تركيا. هناك حاجة لدراسة السوق التركي ومن ثم وضع سياسة لدخوله.
كما وافق رئيس الوزراء عمران خان والرئيس أردوغان على وضع إطار استراتيجي لتعزيز التجارة والاستثمار. يجب على باكستان أن تنتهز هذه الفرصة بتقسيم خطتها على مرحلتين، ما قبل عام 2023 وعصر ما بعد 2023. علاوة على ذلك، يجب على باكستان محاولة فهم سوق تركيا والبحث عن السلع التي يمكن تصديرها.
– شاكيل أحمد راماي – صحيفة ديلي تايمز الباكستانية – ترجمة وتحرير ترك برس / بتصرف
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=84597