رغم تاريخها العريق، وموقعها المميز في مركز منطقة حافلة بالحضارات القديمة، لم تسمع الكثير من شعوب العالم باسم سوريا سابقًا، فكانت الحرب وأخبارها مصدر التعرّف الوحيد على هذا البلد البعيد والمجهول، وصارت خيمة اللجوء الدلالة الوحيدة على شعبها وأسلوب حياته، الأمر الذي جعل الأحكام المسبقة والتعميمات “الظالمة” تحيط بالسوريين في أي مكان حلّوا به، فأضحت أي محاولة منهم لكسر هذه التعميمات أو الخروج عنها محط استغراب ودهشة شديدين.
“بالطبع لا نطالب الشعوب بأن تعرف عن بلدنا كل شاردة وواردة، فهو أمر غير منطقي، لكننا كسوريين خارج سوريا نمر بمواقف كثيرة تدلّ على مدى انخفاض سقف توقعات الشعوب الأخرى تجاهنا”، يقول السيد محمد، لاجئ سوري مقيم في ألمانيا منذ عامين.
هل لديكم مسابح في سوريا؟
يدلّل السيد محمد على فكرته بقصة “محبطة”، حسب تعبيره، جرت معه في أحد المسابح العامة في ألمانيا، حيث يتردد عليه لممارسة السباحة والتدرّب عليها، يقول “في الشهر الفائت ذهبت كعادتي لممارسة السباحة، وأثناء تمددي على الكرسي لأستريح قليلًا تجاذب شاب ألماني عشريني الحديث معي، وسألني أين تعلمت السباحة، لما أخبرته أنني تعلمتها في بلدي سوريا منذ طفولتي استغرب، وسألني عن توافر مسابح أو وجود بحر في بلدي”.
لا يخفي محمد أن السؤال استفزه، وإن كان يرجح كونه نابعًا من قلة اطلاع محدّثه لا استخفافه، يتابع “حاولت ألا أبدي انزعاجي، وشرحت له عن سوريا وموقعها الجغرافي، وأريته بعض الصور للطبيعة في سوريا من مختلف المحافظات، ومن بينها صور للساحل السوري وبعض الصالات والمسابح الرياضية، الأمر الذي كان مفاجئًا له بشكل واضح”.
يؤكد محمد أنه يمر بتجارب مشابهة بشكل مستمر ومتكرر، لكنه يقول “تكرار هذا النوع من الأسئلة لا يجعلني أقل انزعاجًا منها، في كل مرة أحاول تعريف السائل على بلدي بأفضل صورة ممكنة، وأنزعج من الصورة النمطية المتخلفة التي يتوقعونها عن سوريا”.
عنصرية مضاعفة
بتأكيد نابع من تجربتها الشخصية، توافق نجوى على ما يراه محمد، لكن من منظورها الشخصي، ومن واقع معيشتها في تركيا، تشرح لنا قائلة “أعيش في تركيا منذ ثلاثة أعوام، كل يوم تقريبًا يظنني من حولي تركية الجنسية بالنظر إلى شعري الأشقر وعيوني الملونة، ويستمر هذا إلى أن أتحدث أمامهم بالعربية أو بلغة تركية بسيطة فيسألونني من أين أتيت، عندما أخبرهم أنني سورية يبدون استغرابهم الشديد ويشيرون إلى أنني (جميلة) وأشبه التركيات لا السوريات، الغريب أن من يقولون ذلك يكونون في كثير من الأحيان (غير شقر)”.
لا تخفي نجوى انزعاجها من موقف يحمل “عنصرية مضاعفة”، حسب وجهة نظرها، وتوضح “لهذه التعليقات عدة جوانب عنصرية، الأول هو التركيز على الشكل وحصر الجمال بألوان محددة، والجانب العنصري الثاني هو تعميم عدم وجود صفة الجمال في شعب كامل، الجانب الثالث هو اختلاف معاملة الآخرين لي في بعض الأحيان بعد اكتشاف جنسيتي السورية”.
نظرة شفقة
متألمةً على النظرة السطحية التي يرى مَن حولها من خلالها السوريين، تتحدث الآنسة مي، اللاجئة السورية المقيمة في ألمانيا، عن تجربتها، “يؤلمني أن الكثيرين لا يعرفون عن بلدي سوى الحرب والدمار، وأن تعاطفهم يتحول في معظم الأحيان إلى شفقة، رغم كل التميز الذي يظهره السوريون في كل مكان لجؤوا إليه”.
تضيف مي أن تعطيل خبرات السوريين وحملة الشهادات من بينهم بإبقائهم في المخيمات لمدة تتجاوز السنة أحيانًا يسهم في تعزيز النظرة للسوري كمحتاج و”منتظر للمعونات”، حسب تعبيرها، وهو أمر لا يشبه “شطارة” السوريين، تتابع “مجرد الدهشة الشديدة من أي إنجاز تنجزينه كسورية يشعرك بأن النظرة العامة تجاهك هي أنك شخص على الهامش، لا يمتلك إمكانيات ولا يصلح لشيء، سواء كان هذا الإنجاز تعلم لغة بسرعة، أو عملًا فنيًا، أو تفوقًا علميًا، أو إبداعًا بحرفة أو مهنة، كيف نشرح للآخرين أن الحرب أجبرتنا على اللجوء لكنها لم تجرّدنا من التميز والشغف؟”.
بشار الأسد مسلم!
رغم تجاور البلدين والحدود المشتركة بينهما، لا يقل سوء فهم الأتراك للسوريين وحياتهم عن تجربة السيد محمد في ألمانيا، وهو ما يؤكده الأستاذ نبيل، شاب سوري مقيم ويعمل في تركيا، بتجارب يومية يمر بها، يقول عن ذلك “من الملاحظ أن معرفة الأتراك بالسياسة سطحية جدًا، لكن الإنسان يتوقع معرفة أو اهتمامًا أفضل بشؤون دولة مثل سوريا تؤثر بشكل مباشر عليهم، هو ما أفتقده لدى معظم من أحتك بهم”.
يروي نبيل عن قصة جرت معه في محل إقامته بأنقرة، يقول “كنتُ راكبًا في سيارة تكسي قاصدًا مكان عملي عندما بدأ السائق يتحدث عن أحوال سوريا مبديًا تعاطفه مع السوريين، ومبتهلًا لله بأن يقهر بشار الأسد الذي يعتدي على إخوته المسلمين، وهنا أخبرته بمعلومة (هل تعلم بأن بشار الأسد مسلم؟) فما كان منه إلا أن أوقف السيارة بشكل مفاجئ على جانب الطريق لشدة صدمته”.
لم يصدق السائق التركي نبيل حتى أراه الأخير صورة لبشار الأسد وهو يصلي صلاة العيد، يقول “أخبرني أن ما يعرفه هو أن بشار الأسد يهودي، وبقي بعدها طيلة الطريق يكرر مستغربًا (بشار الأسد مسلم.. الله الله)”.
جمهورية أم مملكة؟
تؤكد السيدة نور، شابة سورية مقيمة في تركيا، ما قاله نبيل، وتقول “رغم كون تركيا البلد الأول الذي لجأ إليه السوريون مع بداية الثورة، إلا أني أستغرب جهلهم الشديد بما جرى في سوريا، وسبب ثورة الناس على النظام، كل ما يعرفونه أن هناك حرب دائرة، ومسلمون يموتون، وأحوال صعبة، وثلاثة ملايين سوري يأخذون فرص تعليمهم وعملهم”.
تنقل نور حوارًا جرى بينها وبين تركيّة، حول الأضاع في سوريا، “رغم أن محدثتي معارضة لنظام أردوغان وترى أنه ديكتاتور، إلا أنها وفي نفس الوقت كانت مستغربة من ثورة السوريين على بشار والمتاعب التي تسببوا بها لأنفسهم، فهي ترى أنهم كان عليهم الانتظار لانتهاء دورته الانتخابية، وانتخاب رئيس جديد، كانت المفاجأة من العيار الثقيل عندما أخبرتها أن بشار ورث الحكم عن أبيه، وأن جيل أبي وأمي وبعدهم جيلي وجيل ابني لا يعرفون سوى عائلة الأسد على سدة الحكم، ولم نشارك في انتخاب رئيس قط”.
تتابع نور أن رد فعل محدثتها على مفاجأتها كان سؤالًا “وهل نظام الحكم في سوريا ملكي؟”.
المصدر: عنب بلدي
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=11095
فرات الدممنذ 8 سنوات
عجبي… وهل يوجد جمال كالجمال السوري
وهل بقي أحدفي الكون لابعرف كيف استولت العصابه ع الحكم بمساعدت الاستعمار… وعملت حارس أمين لإسرائيل