تركيا بالعربي
مع دخول الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، يكثر المصلّون في المساجد خلال صلاة التراويح في تركيا، وتنتشر موائد الرحمن في الساحات العامّة والمساجد الكبرى. وفرض مؤسّس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك عدم التدخل في شؤون الآخرين خلال شهر رمضان، سواء كانوا صائمين أو مفطرين، إذ إن حرية المعتقد أمر أساسي في البلاد. وعادة ما تفتح المطاعم، وحتى تلك التي تقدّم المشروبات الكحولية، أبوابها خلال شهر رمضان، إذ للجميع الحق في ممارسة قناعاته وعقائده بشكل علني، علماً أن العديد من الدول الإسلامية والعربية تمنع الإفطار العلني خلال رمضان، وقد تفرض عقوبات قانونية بحق من يأكل أو يدخن في مكان عام.
ومن العادات المتبعة خلال هذا الشهر، المحيّا (لافتات ضوئية). وتُكتب عبارات دينية وأخرى ترحب بشهر رمضان، مثل: “أهلاً وسهلاً بسلطان الشهور”، أو “صُم وتعافَ في رمضان”. ويرجع تاريخ المحيا إلى العهد العثماني، وقد اختفت عقوداً بعد تأسيس الجمهورية، وعادت عام 1975 وازدادت بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002.
ويقال إن مهنة “الحياجي” المنتشرة في تركيا منذ 450 عاماً، التي تنسب إلى السلطان العثماني أحمد الأول، الذي أمر برفع المحيا بين مئذنتي جامع السلطان أحمد الشهير في إسطنبول، بدأت بالاندثار مع موت آخر “المحياجية” حاجي علي جيهان. وتتطلب إجراء العديد من الحسابات لتحديد حجم الكلمات وارتفاع وعرض اللافتات. وعند تعليق اللافتات، يصعد العاملون المآذن أكثر من مرة للتأكد من كل التفاصيل.
وتكثر المحيا خلال ليلة القدر في 27 من رمضان. ومع اقتراب نهاية الشهر، تودع المحيا ما يسميه الأتراك “سلطان الشهور”. وهناك حرص على تزيين الجوامع وإبقاء مآذنها مضاءة منذ صلاة المغرب وحتى صلاة الفجر.
وعادة ما تنظّف المساجد ويجدد أثاثها وتبقى مفتوحة لا خلال أوقات الصلاة فقط، بل على مدار الساعة، إذ تكثر الدروس الدينية وسرد قصص الأنبياء والصحابة خلال شهر رمضان. ويجيب الشيخ على تساؤلات الحضور، ومعظمهم من فئة الشباب. كذلك يحرص بعض الأتراك على قراءة القرآن على مدار 24 ساعة وبصوت عال.
وفي بعض الأماكن، يقرأ القارئ ويعيد وراءه الحضور الآيات القرآنية، منها قصر “طوب كابيه” الذي بني في منطقة السلطان أحمد في إسطنبول عام 1478. وما زالت هذه العادة مستمرة منذ تحوّله إلى متحف في عهد السلطان عبد المجيد، واحتفاظه بطابعه الديني.
أما موائد الرحمن، فهي عادة عثمانية اعتاد السلاطين العثمانيون خلالها إطعام الفقراء في الجوامع والساحات العامّة، وما زالت منتشرة في البلاد. وكانت قد قلّت بعض الشيء قبل أن تزدهر مجدداً خلال السنوات القليلة الماضية.
وتقوم البلديات في الولايات التركية المختلفة، إضافة إلى المنظمات والجمعيات الإسلامية، بإقامة إفطار جماعي في الحدائق والطرقات والساحات، وتقدم ملايين الوجبات لمختلف الطبقات الاجتماعية. تجدر الإشارة إلى أن الإفطار الجماعي المشترك عادة تركية تنتشر بكثرة.
وتتفق عائلات على الإفطار في أمكنة عامة كحدائق المنازل أو الحدائق الصغيرة في الأحياء، على أن تقوم كل أسرة بإحضار بعض مستلزمات الإفطار. وتتميز هذه الموائد بالأطعمة التركية التقليدية، كالحساء وخبز “البيدا” الرمضاني وبعض اللحوم والفاكهة المجففة.
كما يحرص الناس على إعداد المعجّنات خلال شهر رمضان. ولا تكتمل موائد الأتراك الرمضانية إلا بعد تناول الشاي والحلويات، أهمها البقلاوة والكنافة والسوتلاج والعاشوراء.
من جهته، ما زال المسحراتي موجوداً في تركيا. وقبل بدء شهر الصيام، تمنح البلديات تصاريح لممتهني المسحراتي، وغير مسموح لغير حاملي هذه التصاريح القيام بهذا العمل.
وما زال عدد من الولايات والمدن التركية مثل إسطنبول، وآفيون، وقونيا، وبورصة، يحرص على الاستعانة بالمسحراتي الذي يجوب الشوارع والأزقة، وينادي ببعض الأهازيج أو الشعارات الدينية.
واللافت أن الكثير من العائلات تتبادل الكلام والتهاني مع المسحراتي، وتمنحه الطعام والحلوى، إضافة إلى “البخشيش”، عدا عن أجره الذي يحصل عليه خلال أيام رمضان الأخيرة.
وثمّة عادة لافتة خلال شهر رمضان في تركيا، إذ يقدّم الزوج خطاب ولاء لزوجته، يجدد فيه حبه لها، ويعتذر عن كل ما بدر منه تجاهها، ومن ثم ترد الزوجة بتقديم سوار من الفضة للزوج تعبيراً عن حبها له.
لكن هذه العادة، وبحسب مصادر تركية، لم تعد منتشرة كثيراً وتقتصر على الأرياف وبعض أحياء المدن الكبرى. ومن عادات الأتراك خلال شهر الصوم، وضع خاتم من الفضة داخل إحدى كرات “كفتة داود باشا”. ويكون الخاتم من نصيب من يكتشف وجوده خلال تناول الطعام.
المصدر: عدنان عبد الرزاق / العربي الجديد
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=101877