قررت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا الإثنين الماضي إعادة الانتخابات على رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى في 23 حزيران (يونيو) المقبل. القرار هو تقني إجرائي له طابع قانوني اتخذته اللجنة المسؤولة بناء على حيثيات ومعطيات جدية وبعد تصويت بين أعضائها، حيث نال أكثرية واضحة تقارب الثلثين..
مبررات الإعادة
هنا يجب الفصل بين القرار نفسه بسياقه التقني القانوني الإجرائي وتداعياته أو دلالاته السياسية، كما أي قرار له طابع مشابه، مع الإشارة إلى أن اللجنة رفضت مطالب إعادة الانتخابات في بعض البلديات الفرعية ذات الثقل الشعبي الكبير، قبلت فقط إعادة انتخابات البلدية الكبرى في إسطنبول بناء كما قلنا على معطيات وحيثيات صلبة لا يمكن رفضها أو تجاهلها.
دوافع قرار اللجنة العليا لإعادة الانتخابات تتلخص في حدوث تلاعب متعمد في العملية الانتخابية وصولاً إلى التأثير الجدي على نتائجها، يكفي فقط أن نشير إلى تعيين رؤساء وأعضاء لجان انتخابية من خارج الملاك الحكومي، بما يتناقض مع القانون وقواعد عمل اللجنة، ولا يتم الحديث عن تعيينات هامشية أو استثنائية إنما عن 6500 رئيس لجنة و13000 ألف عضو في اللجان الانتخابية من خارج الموظفين الحكوميين، كما يقتضي القانون ما يشكك أو حتى ينسف أسس نزاهة العملية الانتخابية وينال بالتأكيد مما تمخضت عنه من نتائج.
إعلان
ردود الفعل الدولية خاصة الغربية، حول قرار إعادة الانتخابات في إسطنبول، أتت كما العادة متضمنة مزيجا من التعالي والنفاق والازدواجية في مقاربة القضايا التركية،
نتحدث عن إعادة فرز – محدودة ليست شاملة – أعطت أحد المرشحين 14 ألف صوت إضافي بينما تفوق الفائز بفارق بضعة آلاف فقط نصبح أمام تزوير وتلاعب متعمد سعى للتأثير المتعمد بعشرات آلاف الأصوات ضمن ملايين ممن لهم حق التصويت من خلال قاعدة أو فهم مسبق أن الانتخابات ستحسم بهامش ضئيل بين المتنافسين.
رغم شيوع أو استسهال توجيه الاتهامات السياسية للجنة العليا للانتخابات التي يمكن فهمها أو على الأقل إدراجها في سياق يمكن فهمه من قبل المعارضة وخصوم الحكومة التركية، إلا أن القرار ليس مسيّس بأي حال من الأحوال كون اللجنة مستقلة تماماً، وهي تعاطت بشفافية ونزاهة كاملة مع هذه العملية كما الاستحقاقات التركية السابقة.
إعلان
إضافة إلى ذلك وما علم من أسباب وحيثيات ومعطيات قرار التأجيل، فإن اللجنة رفضت استئناف الحزب الحاكم في أنقرة وثبت فوز مرشح المعارضة في العاصمة، كما في أنطاليا ومناطق أخرى مهمة فازت فيها المعارضة.
مسار قانوني
إعلان
حزب العدالة والتنمية الحاكم كان قد قدّم طعونا للجنة الفرعية في إسطنبول، كما للجنة العامة حسب المسار القانوني المعتاد، وارتضى قراراتها في كل الأحوال بما في ذلك إجراء عملية التسليم والتسلم مع مرشح المعارضة في بلدية إسطنبول عند إعلان فوزه، علماً أنه لم يهرب من الاستنتاجات السياسية أو التعاطي الصريح والشجاع مع الانتخابات، وكما قال الرئيس أردوغان حرفياً نلوم أنفسنا ولا نلوم المواطنين أبداً على عدم التصويت لنا.
من جهة أخرى، فإن رد فعل المعارضة متوقع أو يمكن تصوره ووضعه في سياق الصدمة والغضب لإعادة الانتخابات، ولكن يمكن أيضاً توقع أن تهدأ بعد ذلك وتتعاطى مع القرار والأمر الواقع بشكل مسؤول ووطني وتتجه إلى الإعادة ضمن قواعد التنافس الشريف والنزيه بعيداً عن أي محاولات للتلاعب أو التحايل لتزوير إرادة الناخبين.
عندما نتحدث عن التزوير والتلاعب فالأمر لا يتعلق بالمعارضة ومرشحها الشاب إكرام أمام أوغلو الذي أدارـ كما مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية محرم إينجى ـ حملة انتخابية بشكل لافت ومتعارض، حتى مع ذهنية حزب الشعب الجمهوري التقليدية، ولذلك ظل في السباق حتى الأمتار الأخيرة مع المخضرم بن علي يلدريم، أما من قام بهذه الحملة التزويرية المنظمة المتناسقة وغير العشوائية فهو حتماً تنظيم فتح الله غولن وخلاياه النائمة المتغلغلة في المؤسسات بغرض هزيمة الحزب الحاكم والرئيس أردوغان في إسطنبول بكل ما تعنيه في التاريخ السياسة والاقتصاد، وفي الحد الأدنى إحداث البلبلة والفوضى والتشويش على المعركة الديمقراطية بامتياز، وخلق الأزمات للحكومة في الداخل والخارج على حد سواء.
مسؤولية المعارضة
لا شك أيضاً أن الآثار الاقتصادية لقرار اللجنة العليا بإعادة الانتخابات هي لحظية وسيتم تجاوزها ليس فقط لعدم حدوث تغيير جذري أو أي هزات سياسية أمنية أو اجتماعية في البلد، إنما مع تعاطي المعارضة بشكل مسؤول وانخراطها في الحملة الانتخابية الديمقراطية المقبلة، ثم القبول بالنتائج فيما بعد، كما جرت العادة في الاستحقاقات الانتخابية خلال السنوات الماضية بما فيها الانتخابات البلدية الأخيرة.
ردود الفعل الدولية خاصة الغربية أتت كما العادة متضمنة مزيجا من التعالي والنفاق والازدواجية في مقاربة القضايا التركية، ونحن أمام قرار للجنة الانتخابات المستقلة وبناء على معطيات صلبة وراسخة، وهو لم يحدث لأول مرة وإنما كانت سوابق مماثلة أيضاً في تركيا، ورغم علمهم ـ القوى الدولية والغربية ـ بخطورة تنظيم غولن وأساليبه الشيطانية الظلامية بما فيها محاولة تنفيذ انقلاب عسكري دموي على الدستور والمؤسسات، إلا أن ذلك لم ينعكس على لغتهم السياسية والإعلامية تجاه مواجهة الحكومة التركية له على كل المستويات، علماً أن الملاحظات والانتقادات على تلك المواجهة لتصويبها وجعلها دائماً في الاتجاه الصحيح حاصرة هنا أيضاً حتى في صفوف الحزب الحاكم.
في كل الأحوال غداً يوم آخر، وسيتقبل الجميع مع الوقت قرار الإعادة، وسينطلق الاستعداد الجدّي للاستحقاق الديمقراطي بعد شهر رمضان الكريم وإجازة الفطر السعيد، وستكون المعركة الانتخابية كما سابقتها حملة محتدمة، لكن ديمقراطية شفافة ونزيهة ليس فقط قبل وأثناء التصويت إنما في الفرز وإعلان النتائج مع تجاوز وسدّ كل الثغرات التي شهدتها الانتخابات الماضية.
سياسياً من المبكر الحديث عن اتجاهات وملامح انتخابات الاعادة، مع حضور المتنافسين أنفسهم وانتظار موقف حزب السعادة الاسلامى الذى قد يكون حاسماً، لكن أيا كانت النتائج على أهميتها طبعاً، فهي لن تغير السياق السياسى العام لاستحقاق اذار الماضي، لجهة تكتل المعارضة وتحولها الى منافس جدى للحزب الحاكم، المحتفظ بريادته وتقدمه لكن مع مكامن خلل وثغرات، ومقاربات سياسية إقتصادية إجتماعية لابد من تغييرها أو تعديلها إستعداداً للاستحقاق الانتخابى الكبير والحاسم بعد أربع سنوات من الان .
ماجد عزام / عربي 21
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=99489