لا شك أنَّ عين الناخب التركي وهي تنظر إلى قائمة المرشحين الرئاسيين في الاستحقاق الانتخابي الهام في 24 حزيران الجاري تُحلل من وجهة نظر اقتصادية غير معقدّة البرامج الاقتصادية التي يطرحها كل مرشح والفائدة المرجوة التي ستعود عليه، فصحيح أن الأدلجة السياسية والملف السياسي يلعب دوراً مهما لدى مناصري كل حزب في ترجيح مرشحهم الرئاسي وقائمتهم إلى البرلمان، مع ذلك يبقى الاهتمام بالسياسات الاقتصادية أمراً مهماً من حيث آلية خلق فرص العمل ورفع مستوى المعيشة وتحقق الرفاه والاستقرار الاقتصادي.
أولويات المواطن الاقتصادية
ابتداء، قبل الخوض بملفات الناخبين وبرامجهم الاقتصادية من الضروري معرفة المؤشرات العامة التي قد يضعها مواطن على سلم أولوياته مع التأكيد أن تلك الأولويات ستختلف من حزب إلى آخر بحسب الإيديولوجية والفكر الاقتصادي المعتمد للحزب ومناصريه، ففي الوقت الذي يسمي الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” ما قام به على الصعيد الاقتصادي إنجازات اقتصادية ويروج لها، تُحمّله أحزاب أخرى التدهور الذي وصلت له الحالة الاقتصادية وتقلل من إنجازاتهم وتنتقد مشاريعهم.
عموماً هناك أولويات عدة يتفق عليها الجميع، ومن بينها معدل التضخم الذي يشكل هاجساً لدى أي مواطن بعدما عاشت تركيا تجربة مريرة منذ العام 1981 حيث وصل أعلى معدلاته 138.71% في أيار من العام 1980 وقد أدى ارتفاع التضخم لطبع أعداد كبيرة من العملة النقدية من فئة الملايين والمليارات، كل عامين منذ العام 1981 وكانت العملة الورقية ذات القيمة 20 مليون ليرة تعد أكبر عملة ورقية في العالم وكان عدد الأصفار يخلق مشكلات كبيرة في التعاملات وتؤثر سلباً على تحديد الأسعار إذ خلقت صعوبة في قراءة أرقام عدادات سيارات الأجرة ولائحة الأسعار في محطة البنزين والمجالات الأخرى.
إعلان
إلا أن الاستقرار الاقتصادي الذي حظيت به تركيا منذ العام 2003 وإلغاء الأصفار الستة وإصدار عملة جديدة أدى لتناقص معدل التضخم إلى خانة واحدة فقط. ولكن لاحت مخاوف عودة ارتفاع التضخم بعد بلوغه في تشرين الأول 2017 أعلى معدل سنوي له منذ 14 عاماً عند 12.98% ليكون أعلى معدل سنوي سُجل منذ تشرين الثاني 2003.
وبالكلام عن قيمة الليرة فهي أيضا من أبرز المؤشرات الاقتصاية التي يقيم المواطن سياسات الحزب وخطوات المرشح للحفاظ على العملة الوطنية، فانخفاض القيمة تؤثر على مدخرات الأفراد وتعبهم الذي جمعوه على مدار سنوات وهي بالوقت نفسه آفة الاقتصاد.
فقدت الليرة 15% من قيمتها منذ بداية العام الحالي مسجلة أمام الدولار 4.97 ليرة في حين كانت الليرة في العام 2011 نحو 1.48 ليرة أمام الدولار، وهذا مثار خوف بسبب ما عاشته الليرة بعد العام 1980 جراء تدهور الاقتصاد التركي حيث استنزفت الليرة قيمتها وتم إصدار طبعات جديدة وصلت في العام 1999 لفئة العشرة ملايين.
إعلان
ومن نافلة القول أن تحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية من أهم الأولويات أيضاً لدعم الاقتصاد وزيادة مستوى الدخل وبالتالي تحسين مستوى معيشة الأفراد وعلاج مشكلة البطالة بين الشباب، فالعكس يعني الدخول في دوامة الركود ومشكلات البطالة والفقر الفساد وغيرها. وصل معدل النمو الاقتصادي التركي أدنى مستوياته في الربع الأول من العام 2009 عند سالب 14.4% وأعلى مستوياته عند 11.70% في الربع الأول من العام 2011، ويُشار إلى أن النمو في تركيا فاق النمو في العديد من الدول الأوروبية.
دخل الفرد وأثره على مستوى المعيشة يشكل عاملا حاسما في ذهنية الناخب فبفضل السياسات الاقتصادية والتحسن شهد متوسط دخل الفرد في تركيا زيادة بنسبة 102% بين 2001 – 2011 ويشير تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أن قدرة القوة الشرائية للفرد في تركيا في العام 2017 بلغت 25.780 ألف دولار في حين بلغت في العام 2010 نحو 16.900 ألف دولار. وهناك معدل البطالة البالغ 10.6% فبحسب مؤسسة الإحصاء التركية خلال شهر آذار الماضي تقلص مجموع العاطلين عن العمل إلى 3 ملايين و210 آلاف شخص.
إعلان
جميع ما سبق يعد خطوطاً عريضة لأي مرشح للتسويق عن نفسه من خلال سياسات تؤدي إلى رفع معدلات النمو عبر إقامة المشاريع وتشجيع الاستثمارات وخفض معدلات البطالة وتحسين مستوى دخل الفرد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
من المرشح الأفضل؟
بالكلام عن المواضيع الآنفة الذكر وغيرها من المؤشرات الاقتصادية
ظهر الرئيس التركي أردوغان أكثر المرشحين تسويقاً لتلك الأشياء بتفصيل ومخططات وبرامج مستقبلية عكس المرشحين الآخرين الذين اكتفوا بالوعود دون سياسات عملية تدعم تلك الوعود.
يعتمد الرئيس التركي أردوغان على سنوات حكمه الماضية عندما كان فيها رئيساً للوزراء لفترتين وما حققته حكومته من استقرار ورفد الاقتصاد التركي بالمنجزات الكبيرة على المستوى المحلي والعالمي، وهذه النقطة تبرز التفاوت بينه وبين منافسيه الذين لا يملكون ذلك التاريخ أو تلك الإنجازات.
و حول مستقبل تركيا فقد ركز أردوغان على استمرار المسيرة التي بدأها لتحقيق رؤى 2023 و 2053 و 2071 وأعلن في الأيام الماضية عن خطط لإقامة 5 مناطق صناعية عملاقة في أنحاء مختلفة من البلاد بهدف تحقيق قفزة نوعية بتركيا ستكون قادرة على توفير فرص عمل لـ100 ألف شخص وتحقيق قفزة في الصناعة والتكنولوجيا عبر جذب استثمارات ضخمة تساهم في خفض عجز الحساب التجاري في البلاد إذ من المنتظر أن تركز المناطق على صناعة البتروكيماويات والتي تمثل قرابة 20% من إجمالي العجز في الحساب الجاري لتركيا.
وفي مقابلة تلفزيونية أعلن الرئيس عن تشكيل المجلس الإداري لشركة السيارات التي ستصنع السيارة التركية المحلية إذ من المقرر أن يخرج النموذج الأولي للسيارة على العلن في العام 2019 ويبدأ الإنتاج في العام 2021، ومن بين المشاريع الكبرى إنشاء قناة اسطنبول المائية التي ستصل البحر الأسود ببحر مرمرة بموازاة مضيق البوسفور إذ من المتوقع أن تدر القناة على تركيا مليارات الدولارات سنوياً كما سيتم استكمال العمل على خط الغاز “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا مرورا بالبحر الأسود وهذا سيساعد في إشباع حاجة تركيا من الغاز بأسعار مخفضة، ومن المتوقع أن يدخل المشروع حيز الاستخدام في 2019. إضافة إلى تخصيص مئات مليارات الليرات التركية من أجل تطوير البنية التحتية وبناء المزيد من المشافي والمدارس والمتنزهات وقد كشف حزب العدالة والتنمية نيته تحويل مطار أتاتورك الحالي إلى متنزه كبير يضاهي متنزهات العالم بعد افتتاح المطار الثالث في تشرين الأول المقبل، وتطبيق هذا النموذج في كافة الولايات الأخرى.
حزب الشعب الجمهوري وعبر مرشحه محرم إنجه هدد بإيقاف كل المشاريع التي تعمل الحكومة عليها ومنها مشروع قناة اسطنبول المائية، ومشروع المطار الثالث، محملا الحزب الحاكم مسؤولية تدهور الليرة أمام الدولار نتيجة تلك المشاريع وفي الوقت نفسه تعهد بتحسين الحالة الاقتصادية للمواطنين ووضعهم المعيشي ووعد الطلاب بمنح دراسة نصف سنوية وتعهد بدعم المزارعين والعمل والنهوض بهم وتعهد للمواطنين أنهم لن يدفعوا ضريبة لشيء لا يستخدمونه وتعزيز دور المرأة في قطاع العمل ليشكل العنصر النسائي نسبة 50% من القوة العاملة وتعهد برفع الحد الأدنى للأجور ورفع رواتب المتقاعدين ويقضي على البطالة ويرفع من نسب التشغيل العام. فيما وعدت مرشحة الحزب الجيد الجديد ميراي أكشنر بدفع رواتب للشباب العاطلين عن العمل وتوفير فرص عمل لهم وانتقدت مشاريع الحكومة وهددت بإيقاف بعضها كما قللت من إنجازات حكومة العدالة والتنمية في السابق. أما مرشحي الأحزاب الأخرى فلم تقدم أشياء عملية أو مشاريع قوية واكتفت بالتقليل من إنجازات الحكومة وتحميلها مسؤولية ما تصفه بتردي الأوضاع في البلاد.
إذن تلك كانت أهم الأولويات الاقتصادية التي ينظر لها المواطن إضافة إلى البرامج الاقتصادية للمرشحين إلى الانتخابات الرئاسية يبقى أن يُقاطع المواطن أولوياته الاقتصادية مع برامج المرشحين ومرشحي الأحزاب للبرلمان وخططهم الاقتصادية وما سيقومون به إذا منحوه صوتهم.
المصدر: تلفزيون سوريا – مناف قومان
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=58818