أبو أحمد يعرض أمامه نحو 20 صورة لنساء من مختلف الأعمار والأشكال، وبين الفينة والأخرى يأتيه اتصال.. يقوم من مكانه على المقهى ليكمل حديثه ثم يعود، الرجل ليس خاطباً أو صاحب وكالة زواج، وإنما وسيط بين محتجزي هؤلاء النساء اللاتي في الصور وعائلاتهن.
انتهت خلافة داعش التي أعلنها أبو بكر البغدادي، ولكن ما زال ضحايا جرائمها يعانون.. فكثير من النساء اللاتي خُطفن من قِبل التنظيم المتشدد لم يعُدن لأهاليهنّ، وباتوا عرضة لعملية متاجرة يبدو صعباً تصوُّر حدوثها في القرن الحادي والعشرين.
الإيزيديون والمسيحيون بالعراق وسوريا كانوا الأكثر تضرراً من جرائم “داعش”، ففي شهر أغسطس/آب عام 2014 قامت عناصر التنظيم المتشدد بالهجوم على مدينة سنجار العراقية ذات الأغلبية الإيزيدية، حيث قتلوا ما يقارب 4 آلاف رجل إيزيدي، حسب إحصائيات منظمات إيزيدية، وتم دفنهم في مقابر جماعية، وسبي ما يقارب 5 آلاف من النسوة الإيزيديات، وما زال مصير العديد منهن مجهولاً إلى الآن، بحسب ذات المصادر.
سوق للجواري في القرن الـ21
في إحدى الصور المعروضة أمام أبو أحمد، كانت تظهر (ر.ح)، وهي مسيحية سريانية تبلغ من العمر 30 عاماً، اختُطفت من بلدتها الحمدانية في محافظة نينوى بالعراق في صيف عام 2014 وبقيت محتجَزة لدى “داعش” أكثر من عامين، اسمها ضمن قائمة المهربين الذين يطالبون بالفدية أو الثمن لبيع المختطفات.
عملية ترتيب البيع تتم غالباً داخل الأراضي السورية عن طريق المهربين، وقد يتم نقل المختطفات وتسليمهنَّ في سوريا بواسطة المهربين، وأحياناً يأخذونهن إلى دول الجوار؛ لكي تتم صفقة البيع هناك.
الوسيط أبو أحمد يقوم بعرض النساء اللاتي بحوزة التنظيم للبيع إلى أهاليهن أو أي جهة مهتمة بهن.
في عملية اليوم، أرسل صورتين لامرأتين مختلفتين؛ إحداهما إيزيدية، إلى أهلها في مدينة كوجو التابعة لقضاء سنجار العراقية، والأخرى (ر.ح) التي رأينا صورتها، إلى أسرتها في مدينة الحمدانية التابعة إدارياً لمدينة الموصل العراقية.
تراجَع الحديث عن جرائم داعش بعد سقوط معاقله، لكن مؤخراً تم اكتشاف ما يقوم به عناصر التنظيم بعد هروبهم من سوريا؛ لقد صنعوا سوقاً حقيقية للجواري في القرن الحادي والعشرين.
يعتبر التنظيم المتشدد النساء الإيزيديات والمسيحيات، سبايا حتى بعد أن هربوا من أراضي الخلافة، وتتم هذه التجارة داخل سوريا وحتى في دول الجوار.
من يدفع أكثر..؟
الخاطفون التابعون لداعش، يقومون بالتسلل إلى دول الجوار، مثل تركيا، وهم يصحبون السبايا معهم، ويعرضون على أهاليهن أن يقوموا باسترجاعهن مقابل فدية عن طريق مهربين أو وسطاء، وأحياناً يقوم الداعشيون ببيع النساء المختطَفات لأشخاص مجهولين، يطلبون بدورهم فدية مالية من الأهالي، وقد تصل الفدية أحياناً إلى 20 ألف دولار أميركي مقابل كل امرأة.
المبلغ نفسه يطالب به أبو أحمد عن كل من المرأتين اللتين أرسل صورتهما إلى أهليهما، وقد يقوم ببيعهما حتى إلى أي جهة أخرى تملك هذا المبلغ.
بعد أسبوعين من البحث، تمكن “عربي بوست” من الوصول الى عائلات المرأتين المختطَفتَين والمقيمتَين حالياً في كردستان العراق.
عائلة السيدة الإيزيدية (س.ع) رفضت الحديث عن قصة ابنتهم وتفاصيلها؛ لأسباب أمنية وخوفهم على مصيرها، فهي ما زالت في قبضة داعش بسوريا.
اتركوها لدى داعش..!
أبو أحمد المقيم كان فرِحاً في لقائنا الثاني معه، فقد نجح في إتمام صفقة بيع (ر.ح) إلى جهة، من المفترض أن تسلّمها إلى أهلها، وهنا انتهى دوره.
عندما تواصلنا مع أهلها كان الرد غير متوقَّع، “ليث” ابن عمه، يؤكد أنها تواصلت مع والدها قبل عدة أيام وقالت إنها في سوريا، لا تعلم بأي مدينة، لكنها في مكان آمن مع مجموعة من النساء وتحتاج مدةً لكي ترجع إلى بيتها وعائلتها.
وحسب ابن العم، فقد اتصل بهم شخص من أربيل بكردستان العراق يدعى “شيخ”، وطلب مبلغ مليوني دينار عراقي (800 دولار تقريباً) ليُتم عملية عودة ابنتهم إلى البيت خلال يومين.
“ليث” اطّلع على صور بنت عمه وهي تضع الحجاب، وإمكانية أن تكون قد تحولت من الديانة المسيحية إلى الإسلام، فكان رده غير متوقع، هز كتفيه بضيق بالغ، ثم قال بعد فترة صمت: “إذا كانت اعتنقت الإسلام ولا تريد العودة إلى مجتمعها وديانتها، فلتبقَ هناك وتعيش مثل السبيّة لديهم”.
شبكة يغذيها الأهالي والمنظمات
أبو أحمد ساعد على تحرير أو شراء 22 امرأة، وغالباً ما تكون طريقة التواصل مع تنظيم داعش عن طريق عناصر متعاونة من داخل التنظيم، وتتم الصفقات من خلالهم، حيث يزعمون لمحتجِز الفتاة (مالك السبية) أنهم من يريدون شراءها، وحينما تتم العملية يقومون بإعادة بيعها وهكذا.
وهناك شبكات صغيرة من الوسطاء المختصين في شراء السبايا من عناصر تنظيم داعش، وذلك غالباً ما يتم بالتعاون مع منظمة مهتمة بموضوع النساء المختطَفات، أو في الكثير من الحالات يقوم الأهالي بالتواصل معهم مباشرة لاستعادة بناتهم من قبضة عناصر التنظيم.
مبلغ الـ20 ألف دولار الذي تحصّل عليه أحمد من بيع إحدى النساء، يؤكد أنه لن يأخذ منه دولاراً واحداً، ويعتبر ما يقوم به هو واجباً إنسانياً لا أقل ولا أكثر.
ويتم تقسيم المبالغ المادية المتحصَّل عليها من بيع السبايا بين 3 أطراف رئيسية؛ 20% من المبلغ تذهب إلى عنصر من تنظيم داعش، المتعاون الذي يشتري المرأة ممن اختطفها، ونصف المبلغ يستفيد منه عنصر داعش الذي يمتلك المختطَفة، وبقية المبلغ -أي 30%- تكون من نصيب شبكة المهربين الذين يُخرجون السيدات من مناطق داعش إلى المناطق الآمنة حسب منطقة التسليم المتفق عليها.
منتديات على الإنترنت لتجارة السبايا
وتوجد منتديات مغلقة على الإنترنت متخصصة في هذه التجارة، وكل من يملك حق الدخول إلى هذه المنتديات يستطيع أن يبيع أو يشتري أي سبية، كما يفاجئنا أبو أحمد.
أما أكثر السيناريوهات خطورةً في صفقات البيع والشراء، فهو تعرُّض السبايا للخطف مجدداً بالمناطق غير الآمنة في أثناء نقلهن من مناطق سيطرة داعش إلى منطقة أخرى تحت سيطرة ميليشيات أو عصابات مختلفة.
قضية المتاجرة بهؤلاء السبايا لم تعد تحظى باهتمام كبير، ولكن ما زال مصير الآلاف من النساء الإيزيديات والمسيحيات اللاتي اختُطفن من قِبل داعش مجهولاً.
ورغم أن الكثير من المنظمات المحلية والدولية تبذل جهوداً كبيرة لمعرفة أماكن احتجازهن وتحريرهن، فإنها لم تثمر النتائج المطلوبة، وتزداد المشكلة مع القاصرات اللاتي تعرضن لضغوط للانضمام إلى التنظيم أو التخلي عن أديانهن، مما يصعب عودتهن لأهاليهن والابتعاد عن التنظيم، الذي انتهت دولته ولَم تنته أذيته.
المصدر: عربي بوست
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=47946