أفصحت روسيا، الداعم الرئيسي للنظام السوري، عن الخطة التي يجري تنفيذها على الأرض في منطقة إدلب، بهدف استرداد النظام السيطرة عليها، تبعاً للسياسة التي سمّاها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف “استراتيجية الخطوة خطوة”، أي القضم التدريجي لإدلب وأرياف حماة الخارجة عن سيطرة النظام وبقية مناطق جبلي التركمان والأكراد في محافظة اللاذقية، وهي جميعها كان يفترض أن تكون محمية من اتفاق سوتشي الموقّع، في سبتمبر/أيلول الماضي، بين الثلاثي الروسي – التركي – الإيراني.
غير أن تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل يومين، وبعد اجتماعه مع نظيريه فلاديمير بوتين وحسن روحاني، الخميس الماضي، في سوتشي، عن احتمال خوض “معركة عسكرية مشتركة في إدلب، إذا تطلّب الأمر ذلك”، أعاد خلط الحسابات الخاصة بتلك المنطقة والنفوذ التركي فيها، وسط استمرار الحديث عن احتمال حصول مقايضة روسية تركية تلبي أولوية تركيا في منطقة شرق الفرات على حساب المسلحين الأكراد، في مقابل قضم تدريجي لمناطق إدلب وجوارها لمصلحة معسكر النظام.
وواصلت قوات النظام القصف المدفعي على مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي، خاصة معرة النعمان وخان شيخون ومحيطهما، وريف حماة الشمالي، ما أدى إلى إصابة مدنيين، بينهم أطفال. وقال ناشطون محليون إن هذه القوات قصفت، أمس الأحد، بقذائف الهاون، قرى في ريف حماة، وسط تحليق مكثف للمقاتلات الروسية وطائرات الاستطلاع في أجواء ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، في وقت كانت هذه القوات تقصف، بقذائف المدفعية الثقيلة، بلدة الخوين بريف إدلب الجنوبي الشرقي. وكانت قوات النظام ارتكبت، يوم السبت، مجزرة بحق مدنيين في ريف إدلب الجنوبي، إذ قال الدفاع المدني في إدلب إن قوات النظام استهدفت المحافظة، مساء السبت، بـ236 قذيفة، بينها 19 صاروخاً عنقودياً، مشيراً في إحصائية أصدرها إلى أن القصف طاول 13 قرية وبلدة في المحافظة، وأسفر في الوقت نفسه عن 10 قتلى، إضافة إلى إصابة 34 مدنياً.
ويأتي هذا القصف عقب القمة الثلاثية في سوتشي بين الدول الضامنة لاتفاق أستانة، روسيا وتركيا وإيران، حول الملف السوري، والتي أكدت استمرار العمل بالاتفاق الروسي التركي المعلن في سبتمبر الماضي، والذي جنّب المنطقة حرباً واسعة النطاق.
إعلان
وضرب النظام بالاتفاق بعرض الحائط، حيث واصل قصف مناطق ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، بينهم أطفال ونساء، خلال أسبوع. ولكن اللافت كان أن فصائل المعارضة السورية ردت على قصف قوات النظام للمدنيين في شمال غربي سورية، بقصف مواقع في مدن محردة والصقيلبية وسلحب ومناطق في مصياف في ريف حماة الغربي، مناطق سيطرة النظام، قبل أن تهدأ وتيرة القصف المتبادل بعد منتصف ليل السبت ــ الأحد، قبل أن تعاود قوات النظام قصفها بوتيرة أخف، ظهر الأحد.
وقال فريق “منسقو الاستجابة” (تجمّع منظمات إغاثة في مناطق المعارضة)، في بيان، أمس الأحد، إن عمليات القصف، خلال الساعات الماضية، طاولت أكثر من 40 قرية وبلدة ضمن حدود المنطقة منزوعة السلاح، موزعة على ريف حماة (21 نقطة) وريف إدلب (14 نقطة) وريف حلب (5 نقاط). وأسفرت عمليات القصف هذه عن سقوط 11 ضحية من المدنيين، بينهم 4 في معرة النعمان، و6 في خان شيخون، وضحية واحدة في قلعة المضيق من الكوادر الطبية.
ومن الواضح أن القصف الكثيف، يومي الجمعة والسبت، يعتبر الخطوة الأولى في طريق محاولات النظام وحلفائه استعادة محافظة إدلب، وهي الاستراتيجية التي تحدّث عنها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إذ صرح أثناء مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن، أن قادة روسيا وتركيا وإيران اتفقوا، خلال لقائهم في “سوتشي” (يوم الخميس الماضي) على إطلاق آلية “الخطوة خطوة”، لاستعادة إدلب، مشيراً إلى أن الاتفاق يقضي بشروع العسكريين الروس والأتراك في العمل على تحديد مناطق داخل نطاق منطقة “وقف التصعيد” في إدلب، لتسيير دوريات مشتركة هناك.
إعلان
وقال لافروف إنه “لا يمكن الصبر إلى ما لا نهاية على وجود الإرهابيين في إدلب”، وفق تعبيره، لافتاً إلى أن “تحديد كيفية تحرير إدلب منهم مسؤولية العسكريين”. ولا يزال الشمال الغربي السوري محكوماً باتفاق سوتشي، الموقّع في 17 سبتمبر الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل.
وكانت صحيفة “حرييت” التركية قد نقلت عن أردوغان قوله، في معرض إجابته عن سؤالٍ صحافي حول إدلب، أثناء عودته في الطائرة من روسيا إلى بلاده: “لا يوجد أي مانع لتنفيذ أي عمل عسكري في إدلب، وفق التطورات الحاصلة هناك، في حال استمرار الخروقات في المحافظة”. لكن هذا التصريح بقي غير واضح ما إذا كان مجرد مجاملة للموقف الروسي المطالب بشن حرب في إدلب، أو أنه يأتي في سياق عدم التوصل إلى تفاهمات وسطية، حول مختلف الملفات في سورية، خلال قمة سوتشي الثلاثية.
إعلان
ويتوقع متابعون للتطورات في الشمال السوري وغربه، أن تشهد الأيام القليلة المقبلة، تصعيداً من قبل قوات النظام، في محاولة للضغط على المعارضة، من خلال تهجير المدنيين في ريف إدلب الجنوبي، وتأليب الحاضنة الشعبية على فصائل الجيش السوري الحر. وأكد رائد عليوي، القيادي في الجيش الحر، شمالي حماة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن فصائل المعارضة “لن تقف مكتوفة الأيدي حيال التصعيد من قبل قوات النظام”، متوقعاً عدم لجوء قوات النظام إلى التصعيد “لأن فصائل الجبهة الوطنية للتحرير بالكامل ترد بقوه على مصادر النيران”، معتبراً أن ما جرى السبت (القصف العنيف) “يأتي في سياق عدم التزام النظام وإيران بأي اتفاقات دولية”، وفق عليوي. من جانبه، يضع المحلل العسكري العقيد مصطفى البكور ما جرى، مساء السبت، في سياق احتمالات عدة، “منها وجود اتفاقات روسية تركية لم يتم الاعلان عنها وحان وقت تنفيذها، مثل تسليم مناطق معينة للنظام”.
وعن هذا الاحتمال، يقول البكور إنه “بعد فشل القمة الثلاثية في سوتشي، منذ أيام، يأتي هذا التصعيد في إطار الضغط على تركيا لإجبارها على التنازل عن بعض المواقف لصالح روسيا والنظام، خاصة بعد رفضها الحديث عن اتفاق اضنة بشكل مباشر مع النظام كما يريد الروس”.
كما يضع البكور تصعيد مساء السبت في سياق “محاولة روسيا زج إيران في مغامرة عسكرية تؤدي إلى تدخّل التحالف الدولي ضد إيران لإخراجها من سورية، بعد إعلان موسكوعدم قدرتها على إخراج إيران من سورية”، وفق البكور. وكان قادة الثلاثي الضامن فشلوا في اجتماع قمة جمعهم يوم الخميس الماضي، في مدينة سوتشي الروسية، في بلورة تفاهمات للعديد من المسائل السورية، أبرزها مصير محافظة إدلب ومحيطها، وهو ما انعكس تصعيداً عسكرياً فورياً، من الواضح أنه يستهدف الجانب التركي كي يتساهل في ملفات أخرى، منها مصير منبج وشمال حلب، أو غض الطرف عن عمل عسكري يهدف إلى إعادة مناطق في شمال غربي سورية للنظام.
ويعد هذا التصعيد أول اختبار حقيقي لمدى جدية الروس والأتراك في الحفاظ على اتفاق سوتشي، رغم هشاشته منذ ولادته، إذ رفع النظام سقف تحديه للاتفاق، متوعداً باقتحام محافظة إدلب وسحق المعارضة المسلحة فيها، بعدما كثرت، في الآونة الأخيرة، محاولات النظام تقويض اتفاق سوتشي. وفي هذا السياق، قال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال استقباله رؤساء المجالس المحلية، أمس، في دمشق، إن “الأعداء فشلوا في الاعتماد على الإرهاب والعملاء، فانتقلوا للمرحلة الثالثة وهي تفعيل العميل التركي في المناطق الشمالية”.
من جانبه، لا يعتقد العقيد فاتح حسون، القيادي في الجيش السوري الحر، أن اتفاق سوتشي في خطر، معرباً عن اعتقاده، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “موضوع إدلب بالنسبة للروس مرتبط بموضوع شمال وشرق الفرات”، مضيفاً أن “روسيا تريد الضغط، بقدر الإمكان، من أجل أن يكون لها دور في الاتفاق التركي الأميركي، بعد انسحاب الولايات المتحدة من سورية إن تم”. وتابع حسون قائلاً إن “روسيا ترغب في أن تضغط تركيا معها على الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها، لذا فهي تحاول أن تخلق ظروفا أفضل بالنسبة لها”.
ويرى حسون أن الرئيسين الروسي والإيراني “حاولا، خلال قمة سوتشي الأخيرة، الضغط على تركيا، من خلال الحديث عن ضرورة مواجهة الإرهاب في محافظة إدلب”، مضيفاً أن “الرئيس الروسي صرح بضرورة ألا يمر العنف من قبل المتطرفين من دون عقاب، كما صرح نظيره الإيراني بأن إدلب يسيطر على 90 في المائة منها المتطرفون، ويجب عدم القبول بهم حتى لو غيّروا أسماءهم”. وعلق حسون على هذه التصريحات بالقول إنها “لا تملك القدرة على التأثير والفعل لأسباب عدة، منها صلابة الموقف التركي المتمثل في عدم الموافقة على تنفيذ عمل عسكري كبير في منطقة إدلب، وهو ما تدعمه الولايات المتحدة”.
المصدر: أمين العاصي / العربي الجديد
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=89201