بسم الله الرحمن الرحيم
مَعركة موهاتش (موهاكس )
مَحمود الجاف / تركيا بالعربي
كَم مُسلم يعرفُ هذه المَعركة وأسبابها ونتائجها ؟
من قرأ عن قائدها البطل ولم يلوث عقلهُ بتخاريف مُسلسل حريم السُلطان وسأل نفسهُ لماذا هذا العداء الكبير لهذا الرجل ؟! وخصوصًا شبابنا الذين يعشقون الحضارة الغربية ويرتدون الأعلام المُزينة بالصليب المُلطخة بدماء شُعوبنا … فمتى نعرفُ تاريخنا ونسير على درب أعلام أمتنا الذين فتح الله على أيديهم قُلوب العباد والبلاد !!
سليمان القانوني : هو الرجل الذي بلغت الدولة الإسلامية في عهده أقصى قوة واتساع … انتصر على الصفويين وضم أغلب مناطق الشرق وأراضي واسعة من أفريقيا حتى الجزائر وسيطر على المياه من البحر الأبيض المتوسط والأحمر حتى الخليج العربي . كان شاعرًا وراعيًا كبيرًا للثقافة ومُشرفًا على تطور الفنون والأدب والعمارة ويتقن اللغات العربية والفارسية والصربية والجغائية … تضمن نطاق حكمهُ الكثير من عواصم الحضارات كأثينا وصوفيا وبغداد ودمشق وإسطنبول وبودابست وبلغراد والقاهرة وبوخارست وتبريز وغيرها . ولد في طرابزون الواقعة على سواحل البحر الأسود يوم 6 نوفمبر 1494م لوالدته حفصة خاتون سلطان . درس العلوم والتاريخ والأدب والفقه والتكتيكات العسكرية في مدارس الباب العالي في القسطنطينية وهو في السابعة من عمره . تولى بعد موت والدهُ السلطان سليم الأول في 22 سبتمبر 1520م وكان عهدهُ قمة في الحركة الجهادية والمعمارية والعلمية ونعمت الدولة في عهده بالرخاء والطمأنينة . يبدأ خطاباته دومًا بالنصائح والآيات القرآنية وذكر فضل العدل ووخامة عاقبة الظلم ويستهلها …
بالآية الكريمة : إنهُ من سُليمان وإنهُ بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تسلم مقاليد الحكم رفض ملك المجر دفع الجزية وقتل رسول الخليفة فقد تصور انه أمام شاب ضعيف . عندها جهز السلطان جيشًا كبيرًا مُؤَلَّفًا من نحو مائة ألف جندي وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة . وأعلن بابا الفاتيكان كليمنت السابع حالة النفير العام في أوروبا وأصدر قرارًا بمنح صُكوك الغُفران لمن يُشارك في المعركة وكَونوا حلف الإمبراطورية الرومانية المقدسة الذي يشمل : إسبانيا وإيطاليا وألمانيا والنمسا وهولندا وبلجيكا وسويسرا ولوكسمبورغ ومناطق واسعة من فرنسا ومملكة المجر التي تشمل : سلوفاكيا وترانسيلفانيا وهي رومانيا الحالية إضافة لشمال صربيا ومملكة بوهيميا وهي جمهورية التشيك الحالية ومملكة كرواتيا ومملكة بولندا وإمارة بافاريا وهي ولاية البايرن الألمانية وجيوش الدولة البابوية إضافة لمرتزقة من خيرة فرسان أوروبا مُدَعمينَ بأسلحة مُتطورة . وكان جيش موهاكس الصليبي بقيادة مجموعة من أعظم قادة المجر وقتها على رأسهم الملك لويس الثاني وملك المجر “ بال توموري ” وهو قسيس قاد أحد أجنحة الجيش لبث الروح الصليبية لدى المقاتلين .
سار الخليفة من إسطنبول حتى بلغ حصن بلغراد المنيع ففتحهُ الله على يديه وتلقى التهاني بعيد الفطر والنصر فيه وهو عاصمة صربيا الحالية وتمكن من عبور نهر الطونة (الدانوب) بسهولة ويسر وتوجه إلى المجر حتى وصل إلى “وادي موهاكس” الذي يقع الآن على مسافة 185 كم شمال غربي بلغراد و170 كم جنوبي بودابست … كان في انتظاره الجيش المجري البالغ نحو خمسون ألف جندي من بينهم 5000 من الوحدات المساعدة التي جاءت من ألمانيا ويقودهم الملك ” لايوش الثاني ” .
وفي ليلة المعركة21 من ذي القعدة سهر ليلتهُ يدعو الله أن ينصرهُم وتقدم الجيش وصلى بهم إمامًا عند الفجر ثم نظر نحوهم بكل فخر واعتزاز وقال ودموعهُ تسيل من عينه : وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليكُم الآن .عندها انفجر الجُنود بالبُكاء وعانقوا بعضهُم مُودعين يرجون الشهادة في سبيل الله .
كان قد رسم خطة مُحكمة تقضي باستدراج قُوات الأعداء بأن يقف جيش المُسلمين فى ثلاثة صفوف وهو ومن معه في الصف الثالث ومن ورائهم المدافع حتى إذا بدأ القتال تتقهقر الصفوف الأولى ويتراجعوا خلفهُ … وعندما هجم المجريون انسحب الجيش وظن الصليبيون أن القوات انهزمت من المعركة بسرعة فاندفعوا كالسيل الجارف إلى الأمام وعندها أعطى القائد سليمان القانوني الإشارة لسلاح المدفعية فحصدتهم حصدًا فهربوا من ساحة المعركة بشكل فوضوي وانتهت خلال ساعة ونصف تقريبًا . كان الجيش المجري حينها في ذمة التاريخ بعد أن غرق مُعظم جنوده في المُستنقعات في حين استشهد من جيش الخلافة 1500 وبضعة آلاف من الجرحى . قتل فيلاد والأساقفة السبعة الذين يُمثلون النصرانية ومبعوث البابا وسبعون ألف فارس وتم أسر 25 ألف جريح وأقيم عرض عسكري في العاصمة المجرية وقبَّلَ الجميع يد السلطان تكريمًا له بما فيهم الصدر الأعظم ونظم شئون الدولة ليومين ورحل وانتهت أسطورة أوروبا في حين كان جيش الخلافة في كامل قوته ولم يُستنزَف أبداً !
دخل المسلمون عاصمة المجر بودا وهي جزء من العاصمة الحالية بودابيست بعد أن اتحدت مع مدينة بيست … دخلوها وهم يكبرون وصادف عيد الأضحى فتلقى السلطان التهاني فيها . وكان من نتائجها أن سيطروا على كل المنطقة الممتدة إلى أسوار فيينا وانهيار الحاجز المجري الذي كان يقف في وجههم للوصول إلى النمسا وألمانيا . مازالت تلك المعركة تثير تساؤلات واستهجان وحقد ودهشة بعض المؤرخين الأوربيين على الرغم من انقضاء أكثر من ٤٠٠ عام . وتعد شيء يسير من تاريخنا المُشرق الذي تركناه لأعدائنا ليشوهوه ويحرفوه بحقدهم وغيظهم بل وصل بنا الجهل والهوان إلى تصديق وترديد تلك الأكاذيب بلا تثبت ولا تفكير !! فمتى تتحرر العقول !!
ربما لاحظ الكثيرون أن عمامة السلاطين التي توضع على رؤوسهم كبيرة . لكن لم يفقهوا السبب في حجمها ودلالاته !! إنها ليست لغطاء الرأس أو تيجانًا فحسب . بل هي كفنهُ حتى يتذكر المَوت في كُل حين . ولهذا كُفِنَ السُلطان بايزيد بعمامته التي كانت على رأسه عندما استشهد في قتاله مع الروم .
حتى هذا اليوم يعتبر المجريون هذه الهزيمة شؤمًا ونقطة سوداء في تاريخهم . على الرغم من قدمها وهناك مثل شائع لدى الهنكاريين ( أسوء من هزيمتنا في موهاكس ) ويضرب عند التعرض لحظ سيء . يقول المؤرخ الفرنسي إرنست لافيس عند وصفه لآثار هذه المعركة : لم يشهد التاريخ حربًا كموهاج حُسِمت نتيجتها على هذه الصورة في مصادمةٍ واحدة ومحت مستقبل شعبٍ كبير لعصورٍ طويلة.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=52706