على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان، والضغوط الكبيرة التي تنال منهم، من جانب حكومة لبنان وشريحة من شعبه، إلا أن غالبيتهم يفضلون هذه الحياة على العودة والرضوخ لحكم آل الأسد وفروعه الأمنية و”شبيحته الطائفيين”.
استطلع “اقتصاد” آراء عدد من اللاجئين السوريين بشأن العودة إلى “حضن الوطن”، نتيجة الضغوط الممارسة عليهم في لبنان، بهذا الخصوص، فكانت غالبية السوريين ممن تجاوزت أعمارهم 35 عاماً، يرون أنها مجرد “هالة وجعجعة” تعيشها الحكومة اللبنانية فترة، لينالوا المساعدات من المنظمات والجهات الدولية، كنوع من الابتزاز والمتاجرة على حساب اللاجئين السوريين، وهذا ما يحصل عادةً بين الفينة والأخرى.
وبالنسبة لرأيهم حول عودتهم إلى سوريا، قال أحدهم، ويُدعى ياسين، 45 عاماً، “نفضل العودة إلى بيوتنا وأراضينا ولكننا محكومون بالخوف، الأمر الذي يجعلنا لا نفكر مجرد تفكيرٍ، بالعودة، مع أننا نتمناها من أعماقنا”.
ويرى غالبية اللاجئين السوريين من هذه الشريحة، ممن تحدث إليهم “اقتصاد”، أنهم مستعدون للعودة بشكل فوري بمجرد سقوط بشار الأسد ونظامه أو تغييره ووجود ضمان بالسلامة.
كما يرون أن مفوضية الأمم “العاجزة” عن إبقائهم وحفظ كرامتهم بالحد الأدنى في لبنان، وكذلك “العاجزة” عن إعادتهم الآمنة إلى سوريا، ما عليها سوى أن تعيد توطينهم في دول أخرى وتأمين تسفيرهم لأماكن خارج لبنان ومناطق النظام.
أما الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين (20- 35) عاماً، فهم يرون أنهم لم يتركوا شيئاً جديراً بالاهتمام ورائهم في سوريا، بعد أن خسروا فرصهم التعليمية في الجامعات، وهم لا عمل لديهم في بلدهم سوريا، فلماذا يعودون وقد أسسوا لحياتهم في لبنان وأصبح للكثير منهم أعماله؟!
وعندما سألناهم عما يعانون منه جراء الحواجز اللبنانية، كان جواب أحدهم، شهاب، 25 عاماً، “نُحجز لثلاثة أو أربعة أيام في السجن، ولكننا نعرف أين نحن، وكذلك أهلنا يعرفون أين نحن، وأننا سنخرج من السجن. ولكن في سوريا إن اعتُقلنا فقد يكون مصيرنا مجهولاً، وغالباً سيكون الموت تحت التعذيب، أو الزج بنا في القتال رغماً عنا، في جبهات ضد أبناء بلدنا”.
وأضاف شاب آخر من اللاجئين في لبنان، ممن تحدث إليهم “اقتصاد”، “إن عودتنا إلى سوريا مستحيلة حتى ولو أُجبرنا على هذا. لن نعود”.
أما شريحة الشباب المتعلم ممن يحملون الشهادات الجامعية، فعلى الرغم من أنهم يعملون أعمالاً لا تليق بمستوى تحصيلهم العلمي إلا أنهم لا يفضلون العودة إلى سوريا، يقول أحدهم لـ “اقتصاد”: “تعبنا وتعلمنا في بلدنا الأم ولكن الوظائف كانت تُعطى لأصحاب الواسطة، واليوم تعطى لذوي الشبيحة ومقاتلي النظام، تعلمنا في بلدنا ولم نجد فرص عمل، وجاءت الحرب وأتينا إلى لبنان وجدنا فرص عمل مجهدة وشاقة وبعيدة كل البعد عن مجالات دراستنا، ولكننا نعمل وتعودنا ووضعنا شهاداتنا جانباً للذكرى. لن نعود إلى بلدنا إلا بسقوط من ظلمنا وقضى على مستقبلنا وحوّل شهاداتنا إلى مجرد صور رُكنت جانباً فلا جدار لدينا لنعلق عليه شهاداتنا في بيوتنا التي تهدمت ونهبت”.
أما بالنسبة للأطفال، ومن هم دون سن العشرين، فهؤلاء يرفضون العودة رفضاً قاطعاً، فكانت آرائهم، حسبما أخبرنا جهاد، 17 عاماً، “خرجنا وأعمار أغلبنا تتراوح بين (6- 10 سنوات)، ولا يوجد في ذاكرتنا من بلدنا سوريا سوى القتل والدمار ومشهد آبائنا وأخواتنا يقتلون أمام أعيننا وبيوتنا تهدم فوق رؤوسنا، مدارسنا دمرت وقرانا هجرت سكانها. في لبنان ظلمنا وعشنا حياة لجوء قاهرة فشلنا في تعلم مناهجهم التي تعطى بلغة عجزنا عن تعلمها، ومدارس السوريين وإن كانت تدرس باللغة العربية إلا أنها غير معترف بها، فمن يدرس منا فيها لا يحق له أن يدخل الجامعات اللبنانية، ولكننا سنعمل مثل آبائنا وإخوتنا، ولا نريد أن نعود إلى سوريا، وإن قرر أهلنا العودة لن نعود معهم سيكون جوابنا عودوا وحدكم من دوننا”.
أما الأطفال السوريين الذين وُلدوا في لبنان، فهؤلاء أصبح منشأهم لبنانياً، واستطاعوا التعلم في مدارسهم واستيعاب مناهجهم، وهم لا يعرفون بلدهم سوريا سوى من خلال ما يحدثهم به آبائهم.
ومن يرضخ مع الحكومة اللبنانية ويعود إلى سوريا هم من سكان المخيمات نتيجة ظروف الحياة القاهرة التي يعيشونها، ولكن هل سينعمون بالحياة في الداخل السوري؟.. فكم من الشباب والرجال ممن عادوا هم مطلوبون لخدمة العلم وخدمة الاحتياط..؟، هل لهؤلاء بيوت تُسكن أم أنهم سيبقون في حياة مخيمات اللجوء القريبة من منازلهم التي هدمت..؟، عادوا من مخيمات القهر إلى مخيمات الخوف والفقد والقهر..!
ولسان حال السوريين.. هل نعود من تحت سقف خيمة اللجوء في الغربة، إلى خيمة اللجوء قرب منزل مهدم في الوطن.
المصدر: أحمد الخليل – اقتصاد
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=61410