أقل من 12 ساعة، كان الفاصل الزمني بين لقاء جمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» والرئيس الروسي «فيلاديمير بوتين»، وبين القصف الإسرائيلي لمواقع إيرانية في سوريا، ما يشي إلى تنسيق مسبق كشف عنه متحدث بـ(تل أبيب) عن علم موسكو بالضربات.
القصف الإسرائيلي، الذي ضرب مواقع إيرانية وسورية، الخميس، يعد الأكبر الذي تنفذه (تل أبيب) على مواقع في سوريا، منذ قيام الثورة في 2011، ويأتي بعد سلسة من التصعيد المتتالي، دون رد إيراني.
فروسيا التي قالت إن (إسرايل) استخدمت 28 طائرة «إف 15» و«إف 16» وأطلقت 60 صاروخاً،خلال الفترة الأخيرة، كانت غير معنية بإيران أصلاً، فمثلاً لم ترد موسكو على أي من الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، لكن الكرملين غضب عندما استهدفت (إسرائيل) أهدافًا تابعة للنظام السوري، وانتقدت موسكو (إسرائيل) بشدة وبشكل علني.
يأتي ذلك، في وقت تحدثت فيه مصادر دبلوماسية غربية، أن «نتنياهو» سعى خلال اجتماعه مع «بوتين» في موسكو، إلى الاستمرار في حرية الحركة لضرب مواقع إيرانية في سوريا.
ورغم أن الكرملين تكتّم على نتائج المحادثات ولَم يصدر، خلافاً لعادته في زيارات مماثلة، بياناً يوضح تفاصيل المناقشات، فإن مؤشرات برزت تفيد بأن الطرفين بحثا ملفات خلافية، وأن موسكو نقلت إلى الجانب الإسرائيلي استياءها بسبب تكرار الضربات الجوية على مواقع في سوريا.
لكن مصدراً قريباً من الكرملين، قال، إن الجزء الأكبر من الحوار ركز على الوضع في سوريا و«مساعي إيران تعزيز وجود واسع ونشر أسلحة فتاكة تهدد (إسرائيل)».
وزاد أن الطرفين لفتا إلى أهمية تعزيز التنسيق بهدف عدم وقوع حوادث غير مقصودة، حسب صحيفة «الشرق الأوسط».
وحملت هذه العبارة مغزى لافتاً؛ لأن التنسيق لم ينقطع بين الطرفين في سوريا، وفقاً لمصدر عسكري؛ ما يعني أن المقصود منها ضرورة إجراء مراجعة لآليات التنسيق بعدما زاد امتعاض روسيا من التحركات الإسرائيلية أخيراً.
وهو ما كشف عنه متحدث عسكري إسرائيلي، اليوم، حين قال إن (إسرائيل) أخطرت روسيا قبل الضربات التي نفذتها الخميس، على عدة أهداف في سوريا، دون ذكر المزيد من التفاصيل.
وكان لافتاً أيضاً أن «بوتين» استبق لقاءه مع «نتنياهو» بعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي كرّس جزءاً منه لمناقشة الضربات الإسرائيلية على سوريا.
في المقابل، تولي (إسرائيل) الموقف الروسي من الحرب في سوريا أهمية كبيرة، وهي تدرك أن روسيا الدولة الوحيدة القادرة، إن أرادت، على أن تحدّ من الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على سوريا.
وهي تعرف أيضًا أن روسيا في حاجةٍ إلى القوات العسكرية الإيرانية، ومليشياتها الشيعية في الحرب ضد المعارضة السورية المسلحة، من أجل استكمال بسط نفوذ النظام السوري في أنحاء سوريا.
وأمام ذلك، سعت (إسرائيل) للتفاهم مع روسيا، على منع تعزيز الوجود العسكري الإيراني النوعي في سوريا الذي قد يستخدم مستقبلًا ضد (إسرائيل)، مقابل قبول (تل أبيب) بوجود القوات العسكرية الإيرانية ومليشياتها الشيعية في سوريا، شريطة أن يتم تسليحها، وتسليح النظام السوري، وفق مقتضيات الحرب ضد المعارضة السورية المسلحة، وليس ضد (إسرائيل).
وإن لم تستجب إيران لذلك، فسوف تستمر روسيا في احترام الخطوط الحمراء الإسرائيلية في سوريا.
كما أن (إسرائيل) نفسها، على استعداد لتعزيز قوة النظام السوري، والعمل لاحقًا على تأهيله مقابل إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، والحفاظ على الخطوط الحمراء الإسرائيلية.
سيناريو متوقع
ما جرى، اليوم، كان سيناريو متوقع، فعلى مدار الأيام الماضية، تحدثت المؤسسة الأمنية في (إسرائيل) والصحف العبرية، عن رد إيراني مرتقب على الضربات الجوية التي نفذها الطيران الحربي الإسرائيلي، مؤخرًا، واستهدف خلالها مواقع إيرانية في سوريا، وأنه قد يترجم إلى قصف مدفعي من الأراضي السورية باتجاه (إسرائيل)، تنفذها مجموعات مسلحة موالية للجمهورية الإسلامية في طهران.
كما رصدت تقارير استخباراتية استعدادت مليشيات شيعية موالية لإيران، لتحضير منصات إطلاق صواريخ موجهة نحو (إسرائيل)، بمساعدة تقنية ولوجستية واستراتيجية من «حزب الله».
وهو ما تجسد اليوم، عندما أطلقت ميليشيات إيرانية، قالت (تل أبيب) إن ورائها «فيلق القدس» أحد أبرز مكونات الحرس الثوري الإيراني، لترد عليها بعملية نوعية تعد الأكبر منذ عام 1973، حسب مراقبين.
لبنان و«حزب الله»
أما لبنان، فليس بعيدا عن هذا التصعيد، ويترقب تداعيات هذه المواجهة، خاصة أنه على الحدود بين البلدين، وله قوات شيعية تقاتل تحت ستار إيران وهي «حزب الله».
وحسب مصادر، تحدثت إلى «الخليج الجديد»، فإن (إسرائيل) أبلغت الرئيس اللبناني «ميشال عون»، أن أي تدخل لـ«حزب الله» من أراض لبنان، سيكون الرد الإسرائيلي مدمر للبنان، ولن تفرق بين الحزب والبلد.
وحسب المصادر، فإن النجاحات التي حققها الحزب في الانتخابات الأخيرة، والتي جعلته وحلفاؤه يهيمون على قرابة نصف البرلمان، تجعل إيران حريصة على عدم تدمير الوضع في لبنان.
تصعيد متوالي
يشار إلى أن (إسرائيل) تولي الوجود العسكري الإيراني في سوريا أهمية قصوى، منذ خريف 2017، لاعتقادها أن الحرب في سوريا توشك على الانتهاء، بعد أن وضعت روسيا وإيران ثقلهما بقوة وراء النظام السوري لحسمها عسكريًا.
ولاعتقاد (إسرائيل) أن إيران عزّزت وجودها العسكري في سوريا، وهي تسعى إلى البقاء طويلًا فيها، بعد انتهاء الحرب، ولاستخدام هذا الوجود العسكري قوة احتياط ضد (إسرائيل) عند الضرورة إلى جانب قوة «حزب الله».
وفي الأسابيع الأخيرة، أكد كل من «نتنياهو»، ووزير الدفاع الإسرائيلي «أفيغدور ليبرمان»، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي «غادي أيزنكوت»، تصميم (إسرائيل) على منع تعزيز الوجود العسكري الإيراني في سوريا، حتى وإن أدى ذلك إلى مواجهة عسكرية شاملة مع إيران و«حزب الله».
ولعل قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي، 12 موقعًا في فبراير/شباط الماضي، بينها ثلاث بطاريات للدفاعات الجوية السورية، وأربعة أهداف أخرى إيرانية، دليل على هذا التصعيد.
قبل أن تقصف (إسرائيل) مجددا، مطار «T4» العسكري السوري في ريف حمص (وسط) الذي وتقتل 7 عسكريين إيرانيين، في 14 أبريل/نيسان الماضي.
والثلاثاء، دوت انفجارات قوية في منطقة الكسوة في ريف العاصمة السورية دمشق، رجحت مصادر محلية إنما ناتجان عن التصدي لقصف استهدف سيارتين على الطريق الدولي درعا – دمشق، بالقرب من منطقة الكسوة، يعتقد أنها تعود لضباط إيرانيين أو قياديين في «حزب الله» اللبناني.
والخميس، قالت (إسرائيل)، إن القوات الإيرانية في سوريا نفذت هجوما صاروخيا على قواعد عسكرية إسرائيلية في هضبة الجولان في وقت مبكر الخميس، مما دفع (تل أبيب) لشن واحد من أعنف الضربات الصاروخية على سوريا منذ بدء النزاع هناك في عام 2011.
واتهمت (إسرائيل) الجنرال «قاسم سليماني»، الذي يقود الذراع المسؤولة عن العمليات الخارجية التابعة للحرس الثوري الإيراني، بتدبير الهجوم الصاروخي على قواعد للجيش الإسرائيلي في مرتفعات الجولان من داخل سوريا.
بيد أن نائب رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني «أبو الفضل حسن بيغي»، نفى تورط بلاده في تنفيذ هجمات صاروخية على مواقع في هضبة الجولان، السورية المحتلة، مؤكدا أن جيش النظام السوري هو من نفذ الضربة الصاروخية.
وقال: «إيران ليس لها علاقة بالصواريخ التي تم إطلاقها الأربعاء على (إسرائيل)، ولو قامت إيران بذلك لأعلنا فورا»، حسب وكالة «سبوتنيك».
أين الرد الإيراني؟
ويبقى السؤال الأهم: أين الرد الإيراني، على هذا القصف، والذي تأخر كثيرا، ولم يكن بالقدر الذي يتوقعه البعض.
وتجدر الإشارة، إلى أنه في مقابل الإصرار الإسرائيلي، ثمّة إصرار من إيران حتى الآن على تعزيز وجودها العسكري في سوريا.
ولكن الاعتداءات الإسرائيلية على أهداف إيرانية، وتكبيدها خسائر كبيرة في المعدات والأرواح، إلى جانب المعلومات الدقيقة التي تملكها (إسرائيل) عن تفاصيل الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وتمكّن الموساد من سرقة أرشيف البرنامج النووي الإيراني من قلب طهران، من دون أن ترد إيران عليها، كلها عوامل وضعت إيران في وضع حرج وصعب للغاية.
وأمام كل ذلك، إيران تدرك حجم القدرات العسكرية الإسرائيلية الكبيرة، بالمقارنة مع قدراتها الدفاعية، وعليه فإن طهران لن تجازف بالدخول في مواجهة جادة مع واشنطن أو (تل أبيب) في الوقت الحاضر.
ففي كل مرة تتراجع إيران، وهي تعلن أن الضربات الإسرائيلية لن تمر دون رد، لكن يطول انتظار هذا الرد.
وصحيحٌ أن (إسرائيل) شنت هجماتها، وهي تدرك أن هذه المرحلة بالذات هي مرحلة حرجة لإيران و«حزب الله»، إذ تصاعدت بقوة عشية اتخاذ الرئيس الأمريكي قراره الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك عشية الانتخابات النيابية في لبنان التي شارك فيها «حزب الله» بكل ثقله؛ ومن المستبعد أن يردّا على الهجمات الإسرائيلية في هذه المرحلة بالذات.
ولكن، لا يفسر هذا استمرار الضربات الإسرائيلية، وعدم رد إيران عليها.
وإذا كان من تأثيرٍ لهذا الأمر، فإنه ليس حاسما، فكما هو واضح، حسب مراقبين، فقد اتخذت (إسرائيل) قرارًا استراتيجيًا بمنع تعزيز الوجود العسكري الإيراني في سوريا، حتى إن أدى ذلك إلى مواجهة عسكرية شاملة.
ولعل (إسرائيل) باتت في الفترة الأخيرة في المنطقة الرمادية التي تعدّت فيها تطبيق خطوطها الحمراء، واقتربت كثيرًا من استدراج إيران للرد، لتوجّه ضربات مؤلمة ضد الوجود الإيراني في سورية، مستغلةً وجود إدارة أمريكية، تدعمها من دون شروط.
بيد أن الرد المباشر من سوريا، ما زال يحكمه عوامل منها التواجد الروسي والأمريكي، وضعف خبرات الميليشيات الشيعية، فيما يتعلق بمواجهة من هذا النوع، وضعف قوات النظام ودفاعاته عموما، وهو ما يتطلب ردا إيرانيا وتحمل تبعات ذلك.
المصدر | الخليج الجديد
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=53423