هل حقاً تركيا ممنوعة من التنقيب عن النفط حتى العام 2023م ؟

Amani Kellawi5 فبراير 2019آخر تحديث : الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 10:38 صباحًا
هل حقاً تركيا ممنوعة من التنقيب عن النفط حتى العام 2023م ؟

مركز طروس لدراسات الشرق الأوسط

“تنتهي اتفاقية لوزان الظالمة عام 2023، حينها سيكون بمقدور تركيا التنقيب عن مصادر الطاقة الموجودة في عمق أراضيها، حيث حظرت اتفاقية لوزان عليها ذلك”. وقد بات هذا الادعاء شائعاً لدرجة أن الكثير من المحللين والباحثين يُشيرون إليه عبر وسائل الإعلام المُختلفة.

يقول فران ليبوتز: “اقرأ قبل أن تفكر”. وفي عصر السرعة الذي باتت تنتشر فيه الأقاويل بسرعة البرق، أضحت هناك حاجة أكبر للقراءة المُعمقة قبل إصدار الفرضيات والتحليلات، بل وأحياناً، الأساطير التي ينسجها بعض الباحثين، عندما تمتلئ عاطفته بحس الإعجاب الشديد بدولةٍ أو شخصيةٍ ما.

وإلى جانب هذا الادعاء، يسوق “بعض الباحثين” قولاً حول أن “لوزان شملت منع تركيا اقتطاع الرسوم على السفن التي تمر عبر مضيق البسفور.” وفي ضوء ذلك، ما مدى حقيقة هذه الفرضيات؟

للإجابة عن التساؤل المطروح، يبدو أن سرد مواد مُعاهدة لوزان، وتوضيح بعض المؤشرات العملية ذات العلاقة بالفرضيات المطروحة، هو الطريقة المُثلى لذلك.

ـ مُعاهدة لوزان:

وُقعت معاهدة لوزان للسلام في 24 تموز/يوليو 1923، في مدينة لوزان السويسرية بين تركيا من جهة، وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا والبرتغال وبلغاريا وبلجيكا ويوغسلافيا من جهةٍ أخرى. وقد قامت حكومة أنقرة التي كانت منافسة لحكومة إسطنبول بقيادة الصدر الأعظم المسؤول أمام السلطان العثماني، بالتوقيع على الاتفاقية.

قبل توقيع مُعاهدة لوزان بثلاث سنوات تم توقيع مُعاهدة “سيفر”، في 10 آب/أغسطس 1920، بين حكومة الدولة العثمانية ودول التحالف، إلا أن حكومة أنقرة التي كانت تقود بدورها حرب تحرير بلاد الأناضول من الدول المُحتلة، فسرت مُعاهدة “سيفر” بالمُعاهدة “المُذلة: التي لا يمكن القبول بها. ومع تحقيق حكومة أنقرة انتصارات على الاحتلال اليوناني عام 1921، حظيت حكومة أنقرة بالاعتراف الدولي الذي أهلها لتمثيل بلاد الأناضول التي ستصبح “جمهورية تركيا” عام 1923. وعلى إثر الاعتراف الدولي، خاضت حكومة أنقرة مفاوضات في مدينة لوزان، انتهت بتوقيع مُعاهدة لوزان نسبةً للمدينة التي احتضنت مفاوضاتها.

تتألف مُعاهدة لوزان من 143 مادة، تم تبويبها ضمن محاور مُتعلقة بمسائل سيادة الدولة التي سيتم إنشاؤها في بلاد الأناضول. وقد جاءت تفاصيل الاتفاقية على النحو التالي:

أولا: مسألة الحدود:

1ـ الحدود بين سوريا وتركيا:

“قبول الحدود التي تم رسمها في اتفاقية أنقرة المُبرمة في 20 تشرين الأول/أكتوبر بين أنقرة وباريس.” ولم يكن لواء الإسكندرون الذي ضمته تركيا لسيادتها عام 1939، ضمن اتفاقية أنقرة.

2 – الحدود بين العراق وتركيا:

لم تتوصل المفاوضات إلى تفاهم نهائي حول الحدود العراقية ـ التركية، حيث طالبت حكومة أنقرة بضم الموصل والسليمانية إلى حدودها، وهو ما رفضته بريطانيا. وعلى إثر ذلك، نصت المُعاهدة على تشاور أنقرة ولندن حول مسالة الموصل.

3- – الحدود بين تركيا واليونان:

“تُقبل الحدود التركية ـ اليونانية وفقاً لاتفاقية “مودانيا” لوقف إطلاق النار. تدفع اليونان تعويضات مقابل الدمار الذي تسببت به خلال هجومها على مناطق في الاناضول الغربري.

4- – الجزر المائية:

“منح جزيرة “غوكتشا أدا” و”بوزجا أدا” و”تفشان” في بحر إيجه لتركيا. ” تسليم تركيا جزر إيجه لإيطاليا، واتجاه إيطال نحو نزع السلاح في الجزر القريبة من الحدود التركية.

وفيما سيطرت دول التحالف على هذه الجزر التي يبلغ عددها 12 جزيرةً، عام 1945، سلمتها عام 1947 لليونان. وإلى يومنا هذا، لا زالت هذه الجزر موضوع خلاف رئيسي بين تركيا واليونان.

5ـ الحدود التركية الإيرانية:

“يتم اعتماد اتفاقية “قصر الشيرين” المُبرمة بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية في 17 أيار/مايو 1639، في تحديد الحدود التركية – الإيرانية.”

6- الحدود التركية البلغارية:

“يتم اعتماد اتفاقية إسطنبول المُبرمة بين الدول العثمانية وبريطانيا عام 1913م.”

ثانيا- مسألة ديون الدولة العثمانية:

“قبول البرلمان التابع لحكومة أنقرة بمبدأ تقسيم ديون الدولة العثمانية بين الدول المُنفصلة عنها. وبموجبه تدفع تركيا القسم الواقع عليها بالفرنك الفرنسي.”

ثالثا- مسألة الامتيازات الأجنبية:

“تُرفع جميع الامتيازات الأجنبية داخل حدود الجمهورية التركية. وتُصبح جميع الشركات والمؤسسات الأجنبية الفاعلة في تركيا تابعة للقوانين التركية.”

رابعاـ مسألة الأقليات:

“تُعرف الأقليات داخل حدود جمهورية تركيا وفقاً لمبدأ “ديني”. وتُقبل جميع الأقليات على أنها من أصل تركيا، ويُحظر منح أي أقلية امتيازات على حساب الأقليات الأخرى.”

ووفقاً لهذا الباب، فإن “الأقليات التركية غير المسلمة ستتمتع بذات الحقوق والضمانات الممنوحة للمواطنين الأتراك المسلمين. ويُسمح لهم تأسيس وإدارة المؤسسات التعليمية والاجتماعية والدينية والخيرية بكافة أنواعها. ويُسمح للأقليات استخدام لغتهم، والقيام بطقوسهم الدينية بكل حرية. ويتم استبدال الأتراك المقيمين في غرب تراكيا الواقعة داخل الحدود اليونانية، بالروم المقيمين في إسطنبول.”

خامسا- مسألة تعويضات الحرب:

“تتنازل دول الائتلاف عن التعويضات التي طلبتها مُسبقاً من الدول العثمانية نتيجة الحرب العالمية الأولى.”

“تدفع اليونان تعويضات لتركيا بسبب ما أحدثته من دمار في حربها ضدها. لكن نتيجة لانعدام القدرات المادية لليونان، تم منح تركيا منطقة “كارا أغاج” الواقعة على حدودها مع اليونان.”

سادسا- مسألة المدارس الأجنبية:

“تعمل المدارس الأجنبية وفقاً للقوانين التركية.”

سابعاـ البطريركية:

“يُسمح لبقاء قيادة البطريركية الدينية الأرثوذكسية العالمية في إسطنبول، بشريطة عدم ممارسة الأنشطة السياسية.”

ثامناـ مسألة المضائق:

“تتم إدارة المضائق من خلال لجنة دولية برئاسة تركيا. ويتم إنشاء منطقة عازلة بعمق 15 إلى 30 كم على شطري المضيق، ويُحظر على تركيا نشر قواتها أو أسلحتها فيها. يحق للسفن التجارية استخدام المضيق بحرية وقت السلم. أما السفن الحربية، فيتم الحد من حرية مرورها. في حال تعرضت المضائق لهجومٍ محتمل، ستتخذ عصبة الأمم الإجراءات الاحترازاية اللازمة.”

ويُشاع في بعض الأوساط الإعلامية وحتى البحثية النخبوية فرضية تحجيم مُعاهدة لوزان سيادة تركيا على المضائق، وهو ما لا يمكن أن تتخلص منه تركيا إلا في عام 2023. في البداية تجدر الإشارة إلى أنه تنعدم أي مادة تتعلق بوقت مُعين تنتهي فيه المُعاهدة. أيضاً، لا يفرض القانون الدولي على أي طرف إنهاء مُعاهدة ما بعد 100 عام إلا في حال تم تحديد ذلك في ديباجة الاتفاقية.

كما أن هذه المادة انتهى مفعولها، وحصلت تركيا على سيادتها الكاملة عام 1936، حينما تم توقيع اتفاقية “مونترو” أو “مونترك” التي حلت محل هذه المادة من مُعاهدة لوزان.

جاء تغيير هذا المادة بعد ما عرضت تركيا مطلع عام 1936 على عصبة الأمم مسودة مشروع لتغيير الوضع القانوني. وتماشياً مع المسودة، أفصحت المملكة المُتحدة، والدول الأعضاء في “حلف البلقان”. وعلى إثر ذلك، قبلت الدول المُشاركة في اتفاقية لوزان مسودة المشروع، ليبدأ في 22 حزيران/يونيو 1936، اجتماع مناقشة تغيير وضعية المضيق في مدينة مونترو السويسرية.”

وفي 20 تموز/يوليو 1936، وقعت فرنسا وبلغاريا واليابان وبريطانيا واستراليا واليونانا ورومانيا والاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا وتريا على الاتفاقية التي منحت تركيا حق السيادة الكاملة على الإقليم.

ويمكن عرض أهم مواد الاتفاقية على النحو التالي:

ـ دخول جميع السفن التجارية من المضائق وقت السلم. وفي وقت الحرب، ويسمح لجميع السفن، في حال لم تكن تركيا مُشاركة في الحرب، استخدام المضيق بغض النظر عن حمولتها. وفي حال كانت تركيا طرفاً في حربٍ ما، تُمنح السفن غير التابعة للدول المُشاركة في الحرب حق استخدام المضيق، شريطة عدم تقديم مُساعدة للدولة العدو. ويحق لتركيا مطالبة هذه السفن الدخول في النهار فقط، ومن الطريق التي تُحددها تركيا.

ـ بخصوص السفن ذات الحمولة العسكرية، يُمنح للدول المتشاطئة مع البحر الأسود حق تمرير سفنها الحربية والغواصات، شريطة تبليغ تركيا بذلك قبل فترةٍ من تاريخ مرور السفينة. كما يحق للدول الأخرى تمرير سفنها الحربية من المضائق، شريطة إبلاغ الحكومة التركية بطريقة دبلوماسية قبل فترةٍ من تاريخ مرور السفينة. تُبلغ الدول المتشاطئة مع البحر الأسود الحكومة التركية قبل 15 يوماً، أما الدول غير المتشاطئة فقبل 8 أيام.

ـ يجب ألا تتجاوز حمولة السفن الأجنبية العسكرية 15 ألف طن.

ـ لا يمكن أن تبقى السفن الحربية، مهما كان الهدف، في المضيق أكثر 21 يوماً وقت السلم.

ـ وفي وقت الحرب، في حال لم تكن تركيا دولة مشاركة فيها ، يتم اتباع ذات شروط وقت السلم.

ـ يُسمح لتركيا حق التصرف التام فيما يتعلق بمرور السفن الحربية في حال كانت طرفاً في حربٍ ما.

ـ فسخ الاتفاقية:

يمكن توضيح شروط فسخ الاتفاقية بصبغة تحليلية على النحو التالي:

ـ مدة الاتفاقية 20 عاماً، حيث انتهت الاتفاقية في 20 تموز/يوليو 1956، واجتمعت الدول المُوقعة لكنها أخفقت في إعادة ضبط الاتفاقية.

ـ بحسب قواعد قانون البحار، لا يمكن لتركيا أن تطلب أجرة عبور من أي سفينة ستمر من مضيق البسفور، كونه يقع ضمن معيار المياه الدولية. كما لا يمكنها إيقاف مرور السفن منه حتى بعد انتهاء مدة الاتفاقية. ولتغيير الاتفاقية المذكورة، فإن تركيا بحاجة للتوافق مع الدول المُوقعة.

من ناحية معرفية، وبالاستناد إلى مواد الاتفاقيتين يُلاحظ بأنه لا وجود لأي مادة تحظر على تركيا التنقيب عن موارد الطاقة لديها، كما لا وجود لأي مادة تتعلق بسلب سيادة تركيا في الجنوح لتغيير الاتفاقية، لكن بشرط التوافق مع جميع الدول المُوقعة على الاتفاقية، والتي لا زالت تحافظ على وجودها.

ومن ناحية عملية يمكن ذكر بعض الأمثلة التي تُظهر توجه تركيا نحو التنقيب عن موارد الطاقة بدون انتظار مرور 100 عام على تاريخ توقيع الاتفاقية:

ـ استخراج النفط لأول مرة من جبل “رامان” المنصوب في مدينة “باتمان” جنوب شرقي البلاد عام 1940م.

ـ إجراء ألفين و726 محاولة تنقيب وتثبيت للنفط منذ عام 1934 وحتى عام 2014. وفي نهاية هذه المحاولات تم الوصول إلى إنتاج فعلي في 309 بئر نفط، و235 بئر غاز طبيعي. وتُقدر متوسط القدرات الإنتاجية سنوياً لهذه الآبار التي تتمركّز في إقليم جنوب شرقي تركيا، وبعض مناطق إقليم تراكيا، بـ 1.6 مليون طن نفط خام، و343 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي؛ أي أنها تُنتج يومياً ما متوسطه 46 ألف و536 برميل، و1.41 مليون متر مكعب من الغازالطبيعي.

ـ منذ عام 1934 وحتى شهر آب/أغسطس 2014، تم إنتاج ما يقارب 144.3 مليون طن من النفط الخام، و13.9 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. ويُقدر احتياطي تركيا المُكتشف من الغاز الطبيعي 6.3 مليار متر مكعب، ومن النفط 46.3 مليون طن من النفط الخام.

في الختام، في ظل الشواهد المعرفية والإحصائية الرقمية الرسمية، تُصبح فرضية “حظر مُعاهدة لوزان على تركيا إنتاج النفط” فرضية عارية عن الصحة، ولا أصل لها في الواقع. أما فرضية “ستُقدم تركيا على تغيير المُعاهدة عام 2023، للتحرر من الحظر على إنتاج النفط وتحصيل رسوم عبور من المضيق”، فهي الأخرى ركيكة، لأن الأمر يتعلق باتفاقية “مونترو” وليس “لوزان”، كما أن الأمر يحتاج لتوافق جميع الدول المُوقعة على الاتفاقية، ولا يتعلق بانتظار تركيا حتى عام 2023، لتنتهي الاتفاقية وبالتالي يتم تغيير موادها.

المصدر: ترك برس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.