ميسرة بكور / خاص تركيا بالعربي
بات السؤال الأكثر طرحًا في أروقة المنتديات السياسية وبين الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، منذ أطلق السيد ترمب تغريدته الشهيرة التي رفعت أسهم “تويتر” في البورصة وأدت لانهيار في أسواق العملات في طهران وموسكو ودمشق: “روسيا تعهدت بإسقاط جميع الصواريخ التي سوف تطلق على سوريا، إذن استعدي يا روسيا لأن صواريخ رائعة وجديدة وذكية آتية”.
وهنا يطرح متابعون هل الرئيس ورجل الأعمال “ترمب” يمتلك أسهمًا في شركة “تويتر” التي يدير ترمب سياسته عبر منصتها.
كل المعطيات التي تتوفر لدينا تشير إلى أنّ ترمب سيقدم على ضربة عقابية بحق تنظيم الأسد على خلفية استخدامه الغازات السامة في مدينة دوما السورية، لكن ما حجم تلك الضربة، وما هي أهدافها؟.. نترك هذه التساؤلات لمسؤلي وزارة الدفاع الأمريكية وحلفائهم الدوليين.
إعلان
المعطيات التي بنينا عليها تحليلنا هذا قالت إنّ غواصات بريطانية تحركت فعلًا إلى المنطقة، وطلب رئيسة وزراء بريطانيا الحصول على تفويض من المجلس الوزاري المصغر وتصريحاتها السابقة بأنها مستعدة لدعم عملية عسكرية في سوريا دون اخذ موافقة البرلمان.
وقالت مصادر صحفية بريطانية إنّ الطائرات البريطانية المتواجدة في قبرص ستتحرك من هناك للمشاركة في تنفيذ ضربات عسكرية محتملة في سوريا، بالتعاون مع أمريكا وفرنسا.
أيضًا تصريحات الرئيس الفرنسي بأنّ بلاده تمتلك أدلة على استخدام تنظيم الأسد للأسلحة الكيميائية في دوما، وتحرك حاملة طائرات أمريكية إلى قرابة السواحل السورية، ووصول مدمرات أمريكية إلى المنطقة.
إعلان
ومن هذه المعطيات تغيير المسار الدولي للطائرات فوق سوريا ، ومغادرة بوارج وسف روسية ميناء طرطوس ، تحسباً لضربة قد تقع في أي وقت.
وفي وقت لاحق، أكّد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أنّ مجلس الأمن القومي سيبحث خيارات بشأن سوريا في اجتماع يعقد الخميس، وصرح خلال جلسة بالكونجرس بأنّ استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا “لا يمكن تبريره مطلقًا”.
نعتقد أنّ ما أخّر الضربة العسكرية التي توعد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، رأس النظام السوري بشار الأسد بعد وصفه له للمرة الثانية بالحيوان، رغم الزخم الذي أثارته تغريدته المزلزلة، هي الأخطاء التي ارتكبها ترمب نفسه، الأخطاء التي أغضبت وزير الدفاع الأمريكي وجعلته يهرول مسرعًا للقاء الرئيس ترمب، على جناح السرعة، في لقاء لم يكن مجدولًا مسبقًا على قائمة الرئيس الأمريكي، في محاولة منه لضبط تصريحات الرئيس ترمب المنلفتة.
إعلان
الأخطاء التي نتحدث عنها تتمثل بأنّ الرئيس ترمب كشف نوع الأسلحة التي ستستخدم في العملية، وكشف أيضًا أنّ الضربة ستكون صاروخية، لقوله إنّ الصواريخ قادمة وهي جديدة وذكية، وهذا ما أغضب الجنرالات الأمريكيين وأربك حساباتهم وربما دفعهم لإعادة ترتيب الأوراق وربما الخطط، الأمر الذي نقرأه في تراجع ترمب عن تغريدته السابقة والهروب إلى الامام بالقول إنه لم يحدد موعد الضربة وإنه لم يقل أنه اتخذ قرار الضربة، رغم أنّ مُبتدئ في السياسة يفهم من تغريدته السابقة “استعدي يا روسيا الصواريخ قادمة”.
يمكننا أيضًا الارتكان إلى أسباب أخرى قادت إلى تأخير أو تأجيل الضربة المزعومة، على سبيل المثال وصول خبراء من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى مطار بيروت للتوجه إلى دوما في غوطة دمشق الشرقية،
وأمر آخر ما ذكره وزير الدفاع “ماتيس” في جلسة استماع عقد الخميس، تعهد بأن يتواصل مع الكونجرس قبل أي هجوم على سوريا، وهذا لم يحصل حتى ساعة كتابة هذه السطور.
في ظل هذه المعطيات والمواقف التي أطلقها ترمب والرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء البريطانية وما تم تناقله من أستراليا، كلها تشير إلى أنّ الضربة واقعة لا محالة، لكن السؤال يظل حائرًا متى وكيف.
لا نعتقد أنّ الرئيس ترمب تراجع عن تهديداته بمعاقبة تنظيم الأسد على خلفية استخدامه الغازات السامة في مدينة دوما في محافظة ريف دمشق، ولست ممن يعتقدون أنّ ترمب بوارد التراجع عن تهديده لأسباب كثيرة داخلية وخارجية، الأسباب الداخلية ترمب يعاني من وضع داخلي غاية في السوء مع اقتحام مكتب محاميه الشخصي والاستحواذ على ملفات مهمة لصالح التحقيقات التي يجريها المحقق مولر بموضوع التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وبالتالي هو بحاجة لهذه الضربة لصرف الأنظار عنه قليلًا أو تأخير التحقيق بسبب المخاطر الخارجية، وربما كسب المزيد من التأييد له “شعبية”، الأمر الآخر أنّ ترمب في تغريدته التي وجهها لروسيا، رفع السقف فيها كثيرًا جدًا حتى بات المتابع يعتبر أنّ الآمر أصبح تحديًّا بين القدرات الأمريكية والروسية حين كتب ترامب، في تغريدة على “تويتر”، يقول فيها: “روسيا تعهدت بإسقاط أي صواريخ يتم إطلاقها على سوريا”، وأضاف: “استعدي يا روسيا؛ لأن الصواريخ قادمة.. صواريخ جميلة وجديدة وذكية”.
كما هاجم موسكو لدعمها نظام بشار الأسد، بالقول: “يجب ألا تكوني شريكًا لحيوان (بشار الأسد)، قتل بالغاز شعبه ويستمتع بذلك”.
والموضوع أكبر من توجيه ضربة لتنظيم الأسد أو عاقبته، الضربة تحمل رسائل متعددة وهي أكبر من الجغرافية السورية سيصل صداها إلى أوكرانيا والقرم وكوريا الشمالية وطهران.
ترمب لم يعد بمقدوره التراجع لأنه وضع نفسه في هذا الموقف فكيف سيضغط على طهران وكوريا الشمالية في حال لم يستطع معاقبة تنظيم الأسد المتهالك.
خاصة وأنه وضع نفسه في مقارنة مع سلفه الرئيس اوباما وتردده في اتخاذ اجراءات حاسمة ضد الاسد التي كان من شأنها أن تجعل الحديث عن الاسد من الماضي.
نعتقد أنّ هدف الضربة الأمريكية، تدمير ما يعتقد البعض أنّه “إنجاز بوتين” في سوريا عبر إظهاره لاعبًا قزمًا غير قادر على مواجهة الصواريخ الأمريكية “الجميلة والذكية” بحسب تعبير ترامب، تدمير سمعة الـ”س 400″، تدمير سمعة بوتين نفسه.
هدف الضربة الأمريكية ليس بشار الأسد بل هيبة روسيا المنتفخة بدماء السوريين، ونعتقد أنّ الضربة تهدف لإفهام بوتين المنهار اقتصاديًّا المحتاج للمساعدات الاقتصادية من أمريكا حسب ما زعم ترمب، غير قادرة على خلق نظام دولي ثنائي القطبية تكون روسيا فيه لاعبًا أساسيًّا أو القطب الثاني معتمدةً على قوتها العسكرية فقط.
بالعودة لموضوع الضربة وأهدافها، أنا ممن يعتقدون أنّ الضربة في حال وقعت ستكون قاسية لكن غير مميتة ولا تؤدي لسقوط تنظيم الأسد على إثرها، بل الهدف منها بالإضافة لما ذكر من رسائل خارجية، تحطيم قدارت تنظيم الأسد وجعله يزعن بأنه لن يكون قادرًا على الاستمرار في الحكم والتوجه لمفاوضات جنيف من أجل نقل الانتقال السياسي، ضمن ترتيبات دولية تضمن عدم إنهيار النظام القائم برمته.
وسبب نحوي هذا النحو أنّ الأرضية في سوريا أو الطرف المعارض غير مهيء لتولي السلطة في ظل خلافاتهم ونزاعاتهم البينية، وأن النظام غير مستعد في هذه اللحظة لتقاسم السلطة مع طرف آخر، فبالتالي ستكون الضربة هي من تهيئ الأجواء لعملية انتقالية في سوريا بتوافق دولي بعد جمع أطراف الصراع.
ميسرة بكور
كاتب وباحث سوري – برلين
إعلان