حرصت الولايات المتحدة في الأيام القليلة الماضية على إظهار قدر أكبر من الجدية في محاولتها امتصاص غضب تركيا، التي حذرت من أن علاقات البلدين بلغت “نقطة حرجة”، لا يمكن معها إلا إصلاح هذه العلاقات أو انهيارها بالكامل.
وبدا الحرص الأمريكي على نزع فتيل الغضب التركي من خلال إيفاد وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وقبله مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، إلى أنقرة لإجراء محادثات شاقة، وأيضاً لقاء وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس مع نظيره التركي نور الدين جانيكلي، وقد اتسمت تصريحات المسؤولين الأمريكيين خلالها بكثرة العروض وتنوعها في محاولة لإرضاء أنقرة.
في المقابل، اتسمت تصريحات المسؤولين الأتراك بالصرامة حيال السلوك الأمريكي المزعزع لأمن واستقرار تركيا، والميل إلى عدم الركون إلى وعود واشنطن المتكررة، والتي لم يتم الوفاء بالعديد منها سابقاً، ودعوتها إلى اتخاذ خطوات ملموسة وعدم الاكتفاء بالوعود، فأنقرة “تريد أن ترى الأفعال لا الأقوال”.
كما شدد المسؤولون الأتراك على أن استمرار الولايات المتحدة في دعمها لتنظيم “بي كا كا/ ب ي د” الإرهابي وعدم التعاون في تسليم زعيم منظمة الكيان الموازي الإرهابية فتح الله غولن، يضر بالشراكة الإستراتيجية المزعومة بين البلدين، كما يدفع تركيا لمزيد من الابتعاد عن أحد أكبر حلفائها في الناتو.
إعلان
رسائل تركية استباقية:
واستبقت تركيا زيارات ولقاءات المسؤولين الأمريكيين مع نظرائهم الأتراك بسلسلة تصريحات وإجراءات استباقية تمثل رسالة واضحة للجانب الأمريكي، وترفع سقف المفاوضات بين الطرفين، بهدف إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي ونزع فتيل التوتر.
ومن بين تلك التصريحات، ما قاله وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، قبل أيام، من أن علاقات البلدين وصلت إلى نقطة حرجة، إما أن يتم العمل على إصلاحها أو توقع انهيارها بالكامل.
إعلان
وطالب عدد من المسؤولين الأتراك القوات الأمريكية بالانسحاب من مدينة منبج، التي من المتوقع أن تمتد إليها عملية “غصن الزيتون” التي تشنها القوات التركية برفقة الجيش السوري الحر في عفرين، بهدف تطهيرها من إرهابيي “ب ي د/ ي ب ك”.
وألمحت أنقرة إلى عدم امتناعها عن الاصطدام بالقوات الأمريكية المتمركزة في منبج إذا اضطرت إلى الأمر، وقال المتحدث باسم الحكومة التركي، بكير بوزداغ، مطلع الشهر الحالي: “إذا ارتدى الجنود الأمريكيون زي الإرهابيين، فحينها لن نتردد ولن نفرق بينهم”.
إعلان
وفي أحدث الإجراءات التركية التي تحمل دلالة خاصة بالتزامن مع زيارات المسؤولين الأمريكيين، أعلنت بلدية العاصمة أنقرة، الأربعاء الماضي، إطلاق اسم “غصن الزيتون” على شارع السفارة الأمريكية بأنقرة، تيمناً بالعملية العسكرية التركية الجارية في عفرين.
واستهل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون زيارته إلى أنقرة بلقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الخميس، أعقبه لقاء بوزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، وسط حراسة أمنية مشددة.
اجتماع “إيجابي وبناء”:
وقالت مصادر في الرئاسة التركية إن أردوغان أبلغ تيلرسون، بكل وضوح أولويات وتطلعات تركيا في كافة هذه المواضيع، وأكدت المصادر أن الاجتماع كان “إيجابياً وبناء.”
واستغرق اللقاء بين أردوغان وتيلرسون في المجمع الرئاسي ثلاث ساعات و15 دقيقة، وحضره وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو. وتولى تشاوش أوغلو ترجمة الحديث مباشرة بين الرئيس التركي ووزير الخارجية الأمريكي.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي قوله إن أردوغان قدم عرضاً لتيلرسون، تبقى بموجبه القوات الأمريكية بمنبج، مقابل دخول القوات التركية إليها وانسحاب مسلحي “ب ي د” الإرهابي. وذكرت الوكالة أن الجانب الأمريكي يدرس العرض.
آليات لحل الخلافات وتنفيذ الوعود:
وبعد لقائه بتشاوش أوغلو، اليوم الجمعة، قال تيلرسون في مؤتمر صحفي إن بلاده وتركيا من الآن فصاعداً ستعملان معاً في سوريا، وستقومان بإنشاء آليات لتحقيق ذلك، معلناً أن تركيا والولايات المتحدة “لن تتحرك كل منهما بمفرده بعد الآن”.
تيلرسون أكد أنه على تركيا والولايات المتحدة حل التوتر المحيط بمدينة منبج، وقال “سيتم إعطاء أولوية لمنبج في جهودنا للعمل المشترك”، مشدداً على أنها ستكون “موضع مباحثات” مع تركيا لضمان بقائها تحت سيطرة القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة.
من جهته قال وزير الخارجية التركي إن الجانبين اتفقا على ضرورة تطبيع العلاقات، وأوضح أنه تم الاتفاق مع الجانب الأمريكي على تشكيل آلية لمتابعة وضمان تنفيذ القرارات المتفق عليها وعدم بقائها مجرد تعهدات وتصريحات.
وحرص تشاوش أوغلو على استخدام لهجة حادة نسبياً خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الأمريكي.
وعقب انتهاء المؤتمر الصحفي، سلم الجانبان بياناً مشتركاً صادراً عن البلدين للصحفيين، نوها فيه بأهمية العلاقات التي تربطهما وطابعها الإستراتيجي.
إعلان
وأهم ما تضمنه البيان هو الإشارة إلى اتفاق الجانبين على تشكيل آلية مشتركة لغاية منتصف مارس / آذار كحد أقصى لحل المشاكل بين البلدين.
إعلان
إعلان
مكافحة المنظمات الإرهابية وامتداداتها:
إعلان
وجدد الطرفان، بحسب البيان، تصميمهما فيما يتعلق بمكافحة تنظيمات “داعش” و”بي كا كا” والقاعدة وبقية المنظمات الإرهابية كافة و”امتداداتها”.
ونوه البيان أن الطرفين يقران بحق الدفاع المشروع عن النفس في مواجهة التهديدات الإرهابية، التي تستهدف شعبي البلدين بشكل مباشر.
وفيما يتعلق بسوريا، أكد البلدان وقوفهما بحزم ضد كافة محاولات التغيير الديموغرافي وفرض الأمر الواقع بسوريا، وأنهما سيواصلان التنسيق بشأن تحقيق “التحول السياسي المستدام” في سوريا.
تأكيد العلاقات الدفاعية:
إعلان
التقى وزير الدفاع التركي، نور الدين جانيكلي بنظيره الأمريكي، جيمس ماتيس، مساء الأربعاء على هامش اجتماعات الناتو وامتد الاجتماع 50 دقيقة.
وذكر البنتاغون في بيان الخميس، أن الوزيرين التقيا على هامش اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي (ناتو) ببروكسل، “لإعادة تأكيد العلاقات الدفاعية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وتركيا”.
وخلال اللقاء، أعرب ماتيس عن شكره لتركيا بسبب مساهمتها في محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي والأمن العالمي، بحسب البيان.
وأشار البيان إلى أن ماتيس وجانيكلي اتفقا في مسألتي مواصلة أنشطة الدفاع الثنائية ومفاوضاتها، وزيادة تعزيز التعاون الدفاعي.
وأكد ماتيس أن أمريكا تدرك التهديدات الموجهة ضد تركيا، وستواصل الوقوف إلى جانبها في حربها على التنظيمات الإرهابية.
تطهير “قسد” من “ب ي د”:
من جهته، قال وزير الدفاع التركي، في تصريحات صحفية الخميس، إنه طلب من نظيره الأمريكي وقف كافة أنواع الدعم لتنظيم “ب ي د/ ي ب ك” الإرهابي وتطهير ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من عناصر هذا التنظيم.
وأكّد جانيكلي أنه قدّم لنظيره الأمريكي وثائق تُثبت أن “ب ي د/ ي ب ك” هو ذراع أساسية لمنظمة “بي كا كا” وتعاون هذه المنظمة مع داعش، وأبلغ ماتيس بأنّ تقديم واشنطن السلاح لـ”ب ي د/ ي ب ك” يساهم في تقوية “بي كا كا”، وأنّ هذا الأمر يشكل تهديداً للأمن القومي التركي.
تفعيل مكافحة بي كا كا بالعراق:
وأشار إلى أن ماتيس أكّد بأن بلاده ستشارك وتدعم بشكل أكثر فعالية في مكافحة منظمة “بي كا كا” الإرهابية بالعراق، وأنّ هذا الدعم سيكون على وجه الخصوص في المجال الاستخباراتي.
ونقل جانيكلي عن ماتيس قوله إن واشنطن لم تقدم أسلحة أو ذخائر إلى تنظيمي “ب ي د” و”ي ب ك” الإرهابيين اللذين يقاتلان ضد تركيا في عفرين حاليًا، وأن الأسلحة المستخدمة هناك ليست عائدة للولايات المتحدة، فيما اقترح الأخير استخدام “ي ب ك” في محاربة “بي كا كا” الإرهابي.
وكانت الإدارة الأمريكية مهدت لهذه اللقاءات والمفاوضات مع الجانب التركي بزيارة مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر إلى أنقرة ولقائه بالمتحدث باسم الرئاسة التركي، إبراهيم قالن قبل أيام.
وقال بيان للبيت الأبيض إن ماكماستر وقالن ناقشا الشراكة الإستراتيجية البعيدة المدى بين واشنطن وأنقرة، وتبادلا وجهات النظر بشأن العلاقة الثنائية وما تواجه من تحديات إستراتيجية.
وبحسب بيان للرئاسة التركية، ناقش قالن وماكماستر بالتفصيل المسائل التي تؤثر سلباً على علاقات البلدين، وإيجاد السبل من أجل مكافحة مشتركة للإرهاب بكافة أشكاله.