د. سمير صالحة – العربي الجديد
تنتظر أنقرة على أحرّ من الجمر وفدا أميركيا رفيعا. أولوية الملفات على طاولة المحادثات يعاد ترتيبها بين الساعة والأخرى. في قلب النقاش طبعا عملية شرق الفرات التركية، مصير السلاح الأميركي بيد “وحدات حماية الشعب” الكردية، وحسم موضوع زعيم تنظيم الكيان الموازي، فتح الله غولن، المتهم بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا قبل عامين، والذي يحظى بالرعاية الأميركية، هو وكبار مساعديه في ولاية بنسلفانيا.
وكان الإعلام التركي، المحسوب على حزب العدالة والتنمية يشيد، قبل أيام، بالانتصار التركي الكبير الذي تحقق من خلال إقناع ترامب بسحب الجنود من شمال سورية، وإطلاق يد تركيا في محاربة تنظيم داعش، لكن الإعلام نفسه صامت، وسط شعور بخيبة الأمل، وهو يتابع إعلام دمشق يعلن عن انتقال قوات النظام إلى منبج، بعد تفاهمات مع قوات سورية الديمقراطية (قسد)، بإخلاء المنطقة هناك لصالحها. وتتطوع قوات بشار الأسد لتتحول إلى قوات فصل بين الأتراك والأكراد في شمال سورية. وهو يتابع أيضا زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أخيرا إلى أنقرة، وما تبعها على الفور من مواقف عراقية، تتحدث هذه المرة عن استعدادات مشتركة بين دمشق وبغداد لعملية عسكرية واسعة ضد “داعش” في مناطق الحدود السورية العراقية. ويتابع الإعلام المتحدث عنه كذلك استعداداتٍ في عواصم عربية عدة لفتح الأبواب الدبلوماسية والسياسية أمام عودة النظام السوري الذي يناقش من خلال وساطة مصرية تسليم مناطق حدودية شمالية لجيش الغد، المحسوب على القيادي المعارض أحمد الجربا، المنفتح على الجميع في هذه الآونة.
هناك ارتباك تركي بشأن ما يريده الرئيس الأميركي: إقناع أنقرة بالتخلي عن قرار القيامبعمليتها العسكرية في شمال سورية ضد حليفه المحلي، أم دعوة أنقرة للالتحاق بخطط الحرب على إيران وسياستها في المنطقة؟ في العلن، قدّم ترامب لأنقرة، في قراره سحب القوات، فرصة التحرّر والانطلاق أكثر في الملف السوري، والتخلص من القيود الروسية والإيرانية، لكنه لم يطمئن أنقرة بإعلان موقفه النهائي في موضوع استرداد مئات الأطنان من الأسلحة الحديثة، المقدّمة لوحدات حماية الشعب (الكردية)، والتراجع عن خطط دعم قيام كيان كردي على الحدود التركية الجنوبية. فإذا قال ترامب للرئيس أردوغان حقا “سورية كلها لك” فهو يبعث رسالة إضافية توضيحية للأتراك، “إلا السلاح الأميركي الموجود بيد عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، الامتدادي لحزب العمال الكردستاني”.
إعلان
يقول الدبلوماسي الأميركي المخضرم الذي يدير الملف السوري، جيمس جيفري، للأتراك: نتفهم مخاوفكم، لكن مصلحة أميركا تتطلب، في هذه المرحلة، أن لا نتخلّى عن حليفنا الكردي. .. ما يقلق أنقرة أكثر من ذلك أصواتٌ لشخصيات أميركية نافذة، تقول في الفضائيات إن الولايات المتحدة لن تعارض استخدام “قسد” أسلحتها للدفاع عن نفسها، إذا ما هاجمتها القوات التركية في سورية. ويقول أردوغان إن مكالمته الهاتفية مع الرئيس ترامب، واتصالات الأجهزة الدبلوماسية والأمنية التركية والأميركية هي ما دفعت أنقرة إلى إرجاء العملية العسكرية، لكن تأخير تاريخ العملية، كما يقول الرئيس التركي، شيء، وإعلان الانتصار المبكر عبر تسلم أوراق واشنطن في سورية، وانسحابها من هناك لصالح أنقرة، كما تردّد أقلام تركية، شيء آخر.
عندما يقول وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، من موسكو نفسها، إن لتركيا وروسيا هدفا مشتركا، هو تطهير سورية من التنظيمات الإرهابية، وستستمر بلاده في العمل عن كثب مع إيران وروسيا بشأن سورية وقضايا المنطقة، فهذا يعني أن الأمور لا تسير كما تشتهي أنقرة في علاقاتها مع البيت الأبيض، والدليل إعلان صقور السياسة والدفاع الأميركيين تمسّك بلادهم بنفوذها في شرق سورية، وعدم تخليها عن تصفية حساباتها مع إيران في الملف السوري، وإن قرارات مؤتمرَي أستانة وسوتشي لا تعنيها، طالما هي لا تأخذ بما تقوله أميركا وتريده.المشروع الأميركي الذي يتقدم في سورية، ولن تتخلى عنه واشنطن، على الرغم من شطحاتترامب، هو البقاء عسكريا وسياسيا وأمنيا هناك، ريثما تحصل على ما تريده من ناحية، ولإثبات أنها لن تكون الطرف الضعيف في سورية، كما كانت حتى الأمس القريب، من ناحية ثانية. ووسط كل هذه التشابكات وخلط الأوراق، لا تتوقف موسكو عن القول إن البديل الأفضل هو فتح الطريق أمام النظام للسيطرة على عموم الأراضي السورية؛ فـ “توسيع انتشار القوات الحكومية خطوة إيجابية لصالح الاستقرار في المنطقة”. أما طهران فتواصل التأكيد على أن دخول قوات النظام منبج يعتبر تكريساً لسيادة الحكومة السورية القانونية على جميع أراضي البلاد، وخطوة جديدة نحو تسوية الأزمة السورية.
أنقرة متمسّكة بقدرتها على إقناع الوفد الأميركي القادم بقبول اقتراحها القديم الجديد، قبول تركيب طاولة حوار ثلاثي تركي أميركي روسي، لرسم خريطة طريق تسوية جديدة في سورية، خارج التحالفات والمنصّات الإقليمية والدولية، ولكن عبر تفعيل القرارات الدولية المتعلقة بسورية.
إعلان
ما الذي سيناقشه مستشار الرئيس الأميركي، جون بولتون، مع الأتراك خلال زيارته المرتقبة أنقرة، والمعادلة الصعبة الموجودة على طاولة المباحثات تقول إن حليفا يعطي أسلحة متطورة من مختلف الأنواع لحليفٍ له لاستخدامها ضد حليفه الآخر. وستكون محادثات بولتون في أنقرة صعبة ومعقدة، خصوصا إذا كان قادما للالتفاف على قرار ترامب سحب القوات، وإبلاغ الأتراك أن لا استرداد للسلاح في هذه المرحلة، وأن عدم استخدامه في شمال سورية مسألة لا تضمنها بلاده. وبذلك، لا شيء يضمن لأنقرة أن واشنطن لن تقول قريبا، إذا ما شعرت بأن الأتراك يتمسّكون بعمليتهم العسكرية في شمال شرقي سورية ضد “وحدات حماية الشعب”، إنها ستتحرك للتدخل عسكريا ضد من يحاول استهداف سلاحها الموضوع في تصرف “قسد”؟
يُروى أن نصر الدين خوجا أضرم النار يوما بحمل الحشيش المبلل فوق ظهر حماره، ليعرف فقط ما إذا كان سيشتعل أم لا. ولما دبت النار في الحشيش، خاف الحمار، وبدأ يركض في كل اتجاه، والخوجا يركض من ورائه، ويردّد: لو كنت ذكيا لتوجهت نحو بركة المياه أمامك، ورميت نفسك فيها.
إعلان
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=83021