بعد تسع محاولات سمعنا أخيراً صوت السيارة التي ستنقلنا من الأراضي الزراعية على الحدود السورية – التركية إلى الداخل التركي”، هكذا بدأت “أم محمد”، ابنة حي القابون، حديثها لـ “اقتصاد”، والذي روت فيه تفاصيل رحلة أشبه بالموت، استمرت حوالي شهراً ونصف، للعبور فقط، من مدينة إدلب إلى داخل الأراضي التركية.
تقول “أم محمد” في روايتها: “تواصلت مع أحد المهربين في مدينة دركوش المدعو (أسامة)، والذي قام بدوره بنقلي من مدينة الباب إلى قرية الرمادية الواقعة على الحدود التركية لتبدأ رحلة الموت التي استمرت 50 يوماً”.
تتابع “أم محمد”: “في اليوم التالي اتجهنا إلى قرية الدرية، حيث تقيم هيئة تحرير الشام مكتباً لها، لنقوم باستخراج إيصال المحرم والذي هو عبارة عن عملية أشبه بمعاملات النظام الرسمية في دوائره. وتبلغ تكلفة المعاملة هنا 50 دولاراً للشخص الواحد”.
“داخل المكتب طلب مني المسؤول بطاقتي الشخصية وقاموا بالتواصل مع عائلتي للتأكد من أن دافع السفر هو الذهاب حيث تقيم العائلة في اسطنبول”.
إعلان
الـ 50 دولار لا تدفعها النساء فقط تحت مسمى إيصال “المحرم”، بل يتوجب على جميع المسافرين دفعها تحت مسمى “إيصال راكب”. بعدها يتوجب على المهرب استخراج إيصال عبور للمسافرين معه بسعر 1000 ليرة سورية يحتوي الإيصال على أسماء جميع المسافرين من المكتب ذاته.
تقول “أم محمد”: “انتهت الاجراءات بعد معاناة 4 ساعات. توجهنا إلى ضفة نهر العاصي لتبدأ أول محاولة، والتي تكررت مرات ومرات. عبرنا النهر بواسطة قارب يتسع لـ 6 أشخاص لتبدأ بعدها المرحلة الأصعب بالزحف بين حقول القطن لمدة 6 ساعات متواصلة والتي كانت دائماً ما تنتهي بإلقاء القبض علينا من قبل الجيش التركي والذي كان يقوم بدوره بنقلنا إلى مخفر (هيتيا) الحدودي لقضاء الليلة هناك التي تترافق مع ضرب وشتائم للمسافرين الشباب من قبل عناصر الجيش التركي، ومن ثم تتم عملية إعادتنا إلى الأراضي السورية في اليوم التالي”.
“عند العودة يتوجب على المهرب التوجه إلى البوابة لاستلام المسافرين وقطع إيصال تخريج من مكتب هيئة تحرير الشام في حال كان المسافرون قد خرجوا عبر نهر العاصي، أو مكتب أحرار الشام في حال كانوا قد خرجوا عبر الجدار الفاصل. سعر إيصال التخريج يبلغ 1000 ليرة سورية يحوي أسماء جميع المسافرين في حين تبقى 50 دولار لدى المكتب في حال ستكرر المحاولة ويمكن استرجاعها في حال أراد المسافر تغيير المهرب أو إلغاء فكرة السفر”.
إعلان
“أم محمد” تابعت حديثها: “17 ألف ليرة سورية دفعها (أسامة) أي المهرب الذي خرجت عن طريقه إلى تركيا. 9 آلاف منها ذهبت كإيصالات عبور في حين ذهب الباقي كإيصالات خروج بعد ثمانية محاولات فاشلة”.
“المبلغ ذهب بمجمله إلى هيئة تحرير الشام نظراً لكون طريق (أسامة) يمر عبر نهر العاصي الذي تتحكم به الهيئة”.
إعلان
يتقاسم الفصيلان الأكبر في الشمال طرقات التهريب إلى تركيا، حيث تستولي الهيئة على النهر في حين تستولي الجبهة الوطنية للتحرير الذي تشكل حركة أحرار الشام عمودها الفقري على الجدار الفاصل، ليقوم الفصيلان بعدها ببيع الطرقات للمهربين الكبار في إدلب الذين يتكفلون بدفع المبالغ المالية للفصائل تحت المسميات المذكورة أعلاه، كما روى المهرّب “أسامة” بنفسه، لـ “أم محمد”.
معاملة الجيش التركي للمسافرين
لا تقتصر صعوبة الطريق على المسافة الكبيرة التي يقطعها المسافرون زحفاً وسباحة في حال كان عبر النهر، أو قفزاً في حال كان الطريق ماراً عبر الجدار. بل إحدى الصعوبات هي إلقاء الجيش التركي القبض على المسافرين حيث يقوم عناصر الجيش عادة بضرب وتوجيه الشتائم للمسافرين الشباب وخصوصاً في حال تم الاشتباه بأحد الشبان على أنه المهرّب الذي يشرف على نقل المجموعة حيث يحصل الأخير على النصيب الأكبر من الضرب.
تجاوزات الجيش التركي وصلت مرة إلى إجبار شبان وأطفال صغار على إغلاق نفق صغير بالصخور كان المهرب قد حفره للمسافرين تجنباً للقفز من أعلى الجدار، حسب رواية المهرّب “أسامة” لـ “أم محمد”.
بالعبور إلى مدينة “أنطاكية” التركية لم تنتهي الرحلة بل انتهى قسمها الثاني فقط بالنسبة لـ “أم محمد” التي كانت مرحلتها الأولى هي العبور من دمشق إلى إدلب، في حين كانت الثانية هي الوصول من إدلب إلى مدينة أنطاكية. أما المرحلة الثالثة والتي لا تقل خطورة عن الأولى والثانية كانت الانتقال من أنطاكية إلى ولاية اسطنبول أو أي ولاية أخرى، وذلك بسبب انتشار الحواجز التي تقيمها الشرطة التركية لضبط المسافرين غير الشرعيين وخصوصاً في المناطق الحدودية.
أبرز الحواجز هي حواجز أضنا والقيصري وأنقرة، والتي تفرض تشديداً كبيراً على المسافرين ضمن شركات النقل وهو ما دفع “أم محمد” للبحث عن مهرّب آخر ينقلها من أنطاكية إلى اسطنبول.
عملية إيجاد المهرّب تمت عن طريق الإنترنيت حيث تنتشر على مجموعات السوريين على مواقع التواصل الإجتماعي منشورات لأناس يعملون على سياراتهم الخاصة التي اشتروها في تركيا، على نقل المسافرين من الولايات الحدودية باتجاه عمق البلاد وخصوصاً بعد الإجراءات الصارمة التي فرضتها الحكومة التركية على السوريين.
المسافرون بطريقة غير شرعية
الطريق من دمشق إلى تركيا كان يقتصر على قطع تذكرة سفر من إحدى المكاتب على متن أقرب موعد طائرة متجهة إلى اسطنبول مثلاً. أما اليوم فالرحلة تحتاج مدة أقلها 15 يوماً في حال كان المسافر ذو حظ جيد واستطاع العبور من أول محاولة.
تتوزع الصعوبات على الطريق بين حواجز ينشرها النظام على مدى الطرقات المؤدية للشمال، وبين الفصائل التي تتقاسم الطرقات مع المهربين. وتنتهي عند التشديدات التي تفرضها الحكومة التركية على المهاجرين السوريين غير الشرعيين الراغبين بالدخول إلى بلادها.
يُذكر أن مجمل تكاليف رحلة “أم محمد” وصلت إلى 700 دولار توزعت بين 50 دولار للطريق من دمشق إلى مدينة الباب و550 دولار أخرى للعبور من إدلب إلى تركيا. في حين ذهبت الـ 100 الأخيرة للطريق بين انطاكية واسطنبول.
قصي عبد الباري – خاص – اقتصاد
إعلان
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=78423