مثل رفاقه الإيطاليين، في خريف العام 1903، انطلق تشارلز بونزي إلى الولايات المتحدة الأميركية محملا بكل الأمل الممكن بعد أن ضاق به الحال في موطنه وساءت سمعته جراء عمليات احتيال متتالية فاشلة كادت تذهب به إلى السجن، كان كل ما يمتلكه وقتها هو مئتي دولار، لكنه لم يصل بها كاملة إلى أراضي نيويورك، حيث انخرط في لعب القمار على السفينة وخسر ثروته الصغيرة. لم يتبق في جيبه إلا خيبة أمل، مع دولارين ونصف فقط. لكنه لم ييأس، وبدأ بالبحث عن عمل.
خلال سنوات عدة1، تنقل بونزي في أكثر من وظيفة، وبعد أن ملّ الوضع في الولايات المتحدة ذهب ليعمل بأحد البنوك الإيطالية في مدينة مونتريال الكندية، وبالفعل ترقّى فيه بسرعة مثيرة للتساؤل، لكنه ضُبط هذه المرة بعملية تزوير كان خلالها يقوم بتقليد توقيع إحدى عميلات البنك ويحصل على الأموال من حسابها الشخصي بشيكات مزورة، فزُج به إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، ثم خرج وعاد من جديد إلى الولايات المتحدة، بوسطن تحديدا، وهناك حاول من جديد، إلى أن توصّل إلى فكرة جديدة.
مخترع المال
في تلك الفترة ابتكرت وكالات البريد بطاقات (كوبونات) دولية تُمكّن الناس في أي دولة من التواصل بسهولة -عبر الرسائل المكتوبة- مع الأصدقاء والعائلة في الولايات المتحدة، تساوي كل منها ما قدره عدد محدد من طوابع البريد، لكن تلك الكوبونات كان بها فارق سعر واضح بين الدولار مرتفع السعر وقتها والعملات الإيطالية، وتشبه الفكرة أن تشتري العملات في مكان ما تكون فيه رخيصة ثم تبيعها في مكان آخر يكون سعرها فيه أعلى بهدف تحقيق الربح، هنا وجد بونزي أنه يمكن لك، بدولار واحد، في إيطاليا، أن تشتري من تلك الكوبونات عددا أكبر مما يمكن أن تشتريه في الولايات المتحدة.
بهذا بدأت تجارة بونزي البسيطة، والشرعية. في عام2،3 1919، وبينما اشتعلت الثورة الشعبية في مصر، كان صديقنا يحصل على تلك الكوبونات بفارق ربح قدره 45%، وكان في كل ثلاثة أشهر قادرا على مضاعفة أي مبلغ اشترى الكوبونات به، بعد ذلك شرع بونزي في التحدث مع أقربائه، وأصدقائه، ورفاقه من المهاجرين الإيطاليين، عن أخذ أموالهم ومضاعفتها فقط في ثلاثة أشهر، كان بونزي شخصا جميل اللسان، مهندما في كل مرة يخرج فيها من المنزل، مُقنعا إلى حد كبير، ذا شخصية متفائلة، ومبتسما دائما مهما حدث، حتّى في أحلك الأوقات، لذلك تمكّن بسهولة من إقناع عدد مقبول من الناس، ليحصل على مبلغ قدره عشرة آلاف دولار في فترة قصيرة، وهو -بمعايير تلك الفترة من تاريخنا- يساوي الكثير.
ما الذي ستفعله بعد أن يأتيك المال الذي استثمرته، مضافا إليه ضِعفه، بعد ثلاثة أشهر؟ أولا، ستسعد حد السماء، سيبدو الأمر وكأنك قد وجدت كنزا في باطن الأرض، البنوك تعطيك رقما ما يقع حول 7% كل سنة، وهذا الرجل يعطيك 100% كل ثلاثة أشهر، أما ثانيا -وهو الأهم- فسوف تتحدث في هذا الموضوع مع كل الناس من حولك، عن هذا التاجر الماهر، مخترع النقود كما سمّاه الجميع وقتها، الذي يتمكن -بشكل ما- عبر عملية مراسلات بسيطة لكوبونات بريدية، من إعطائك كل تلك الأرباح.
في مرحلة ما، وبعد عدة أشهر، لم يكن بونزي بحاجة إلى أن يبحث عن عملاء، لقد تدفق الناس إلى مكاتبه كالسيل العرم، انتشرت أخباره بشكل غير مسبوق، وكان كلما أطل على الناس وتحدث بلغة رصينة ومتفائلة ارتفع عدد عملائه، في نهاية هذا العام كان بونزي يحصل في اليوم الواحد، في اليوم الواحد فقط4، على 250 ألف دولار من العملاء، بمعايير تلك الفترة من تاريخنا لم يكن هذا رقما سهلا بالمرة، كانت كلمة “مليونير” -بالأساس- اصطلاحا نادرا يشير إلى فئة قليلة جدا جدا من البشر.
السفر ناحية المجد
انطلق بونزي بلا رحمة، كانت إحدى حِيَله الذكية هي أن يضع في البنك نفسه كمًّا مهولا من المال، لفترة قصيرة، ثم يبدأ بتهديد البنك أنه سوف يقوم بسحب أمواله فجأة، ما قد يتسبب في سقوطه، ثم يطالب بعد ذلك بأن يكون شريكا في الإدارة، بتلك الطريقة تمكّن بونزي من أن يكون -فجأة- صاحب سلطة. وسّع من نقاط انتشار مكاتبه، واشترى عدة شركات، وأصبح شخصية عامة، اشترى بيتا كبيرا ووضع به أثاثا بـ500 ألف دولار، وهو رقم تاريخي في تلك الفترة. عاش بونزي حياة الشهرة، وانطلق بين الأغنياء فأصبحوا فقراء بالنسبة لما يمتلك، لكن أكثر ما تسبب في شهرته كانت ابتسامته الدائمة، ولغته الواثقة جدا، فتصور الجميع أنهم أمام عبقري جديد سيغير وجه الاقتصاد كله، لقد سحب الناس نقودهم من البنوك وأعطوه إياها، إنه تشارلز بونزي، الذي أعاد اختراع النقود ووزعها على عملائه كأنها كنز علي بابا!
في تلك النقطة لفت بونزي انتباه الجميع، لكن من بين هؤلاء كانت صحيفة “البوسطن بوست” وبعض رجال الشرطة الذين تساءلوا ببساطة: “كيف يمكن لأحد أن يحقق كل تلك المكاسب الطائلة؟”، حينما بدأت التحقيقات انتشرت الأخبار فبدأ الناس بالتدفق إلى مكاتب بونزي لاسترجاع أموالهم، هنا قام صديقنا البارع بحيلة غاية في الذكاء، حيث خرج بنفسه للناس وطمأنهم، ودعا لتوزيع الشاي والقهوة مجانا على الطوابير الواقفة، وبهدوء شديد وعد الجميع بالحصول على أمواله، وبالفعل، أخرج بونزي في أيام ثلاثة نحو 3 ملايين دولار، إنه رقم مهول تسبب في استعادة ثقة الناس مرة أخرى، بل إن الكثيرين منهم تركوا الطابور واحتسوا القهوة وذهبوا إلى المنازل مطمئنين على أموالهم عند بونزي.
لكن الهجمة الثانية5 كانت أكثر قسوة، حيث تساءل محررو البوسطن بوست ببساطة عن مصير أموال بونزي، بمعنى أوضح: إذا كان هذا الرجل يكسب ما مقداره 300% من أمواله، لماذا يضع النقود التي يحصل عليها من العملاء في بنوك لا تعطيه إلا 3-4%؟ ثم، سؤال آخر، هناك -في العالم كله- 27 ألف كوبون بريدي فقط، لكن لو حسبنا كم ثروة بونزي لتوقعنا وجود 600 مليون منها، وهذا بالطبع غير ممكن، أين تذهب نقود عملاء بونزي؟
بعد ارتفاع وتيرة الهجوم على بونزي، خاصة بعد مقالات البوسطن بوست، انهال الناس من جديد على مكاتبه، هنا لم يتمكن أحد من صد هذا الهجوم، بعد 6 ملايين من الدولارات توقفت ثروة بونزي، مع مطالبات بأكثر من 10 ملايين دولار، فتم القبض عليه، ولم يتمكن من سداد بقية النقود، ودخل إلى السجن لقضاء فترات متتالية بين 3 إلى 9 سنوات، جراء الاحتيال على عدة آلاف من المواطنين وأخذ ملايين من الدولارات منهم، لكن صدّق أو لا تُصدّق، حتّى في أثناء وجود بونزي في السجن، ورغم أنه لم يعط آلاف العملاء حقوقهم، ظلت مجموعة كبيرة من الناس تؤمن به، وتقول إن ما حدث قد كان بسبب اتحاد مخاوف البنوك مع مخاوف الحكومة لإسقاط إمبراطورية العبقري الذي كان ليغير الاقتصاد ويؤثر في سياسات البلاد فخشيه رجال السلطة، بل وحتّى حينما كان في السجن، تلقى بونزي أموالا من عملائه، ولم يردها بالطبع.
لكن، لماذا نجحت “العملية بونزي”؟!
في تلك النقطة من حكاية بونزي المثيرة للاهتمام ربما قد نبدأ بالتساؤل عن أسباب نجاحها. في الحقيقة، إن ما نسميه بـ “سلسلة بونزي” (6 Ponzi Scheme) لم تنجح مع بونزي فقط، لكن مع كل محتال آخر تمكّن من الوصول إلى الناس وإيهامهم بأرباح خرافية سريعة وغير مسبوقة، هنا لا يمكن أن نفوّت حديثا قصيرا، قد نفرد له تقريرا خاصا فيما بعد، عن برنارد مادوف7، الرئيس السابق لبورصة ناسداك الإلكترونية، والذي احتال على مبلغ يقدر بـ 50 مليار دولار، نعم إنها كما قرأت، هذه هي السرقة الأكبر في التاريخ، من صناديق استثمارية ضمت نقود كبار البنوك العالمية وأكثر المستثمرين ثراء وظهورا، وانكشفت هذه الآلية التي احتال بها مادوف في أثناء الأزمة الاقتصادية في العام 2008.
ما سلسلة بونزي؟ الفكرة بسيطة، لنفترض أن أحدهم يعرض عليك أن تعطيه 1000 دولار ثم سيعيدها لك 2000 دولار بعد ثلاثة أشهر، إن ألف دولار هي مبلغ هيّن خاصة أن الذي يتحدث معك يقدم عرضا مقبولا ومعقولا بلغة التجارة، حيث يقول إنه يتاجر في شيء ما أنت تعرف أن له بالفعل أرباحا واسعة (كوبونات البريد هنا)، بعد ثلاثة أشهر سيطلبك هذا الشخص للحضور والحصول على أموالك، ويعرض عليك أن تستمر في الاستثمار أو لا، كما تحب، هنا لن تستمر في الاستثمار فقط، بل ستدعو أصدقاءك وأقرباءك وزملاء العمل للنهل من هذا الكنز.
أنت والعملاء الآخرون في تلك السلسلة تمثلون الطبقة الأولى، سوف نفترض أن هناك 16 عميلا فقط في المرة الأولى، وسوف نفترض أيضا أن كلًّا منهم قد أخبر شخصين فقط بذلك الكنز الاستثماري، هنا سيكون العدد الجديد هو 32 جديدين مع 16 سابقين يودون الاستثمار مع بونزي، هذه هي الطبقة الثانية، خلال فترة قصيرة يحين وقت إعطاء الفوائد للطبقة الأولى، لكن بونزي لا يحتاج إلى الاستثمار، ولم يحتج إليه يوما، لقد كانت فكرة الكوبونات هي فقط تغطية مثالية، حيث يمكن له فقط أن يأخذ من ودائع الطبقة الثانية ليعطي أفراد الطبقة الأولى.
وهكذا، طالما أن بونزي معروف، وهناك ثقة تامة في قدراته على السداد في الوقت المطلوب منه، سوف تتصاعد أعداد عملاء بونزي بشكل استثنائي، لفهم قدر التصاعد في سلسلة بونزي حاول مثلا أن تحسب 20 ضعفا للعدد 16، سوف تبدأ برقم صغير، إنه 32، ثم 64، هنا ستتصور أن الموضوع بسيط، لكنك -مثلا- لم تكن لتظن أبدا أن عملية المضاعفة (الطبقة) العشرين سوف تحتوي على 33 مليون شخص، وهنا نتحدث عن الأشخاص الجدد فقط، هكذا تتضاعف أعداد المستثمرين لدى بونزي، وكلما تكونت طبقة جديدة استخدم أموالها لإعطاء سكّان سابقتها أرباحهم، ثم يأخذ الفائض لنفسه.
تقف سلسلة بونزي في اللحظة التي يقف فيها تدفق العملاء، قد يكون ذلك بسبب هروب المحتال نفسه، أو بسبب التشبع، فقد تصاعدت السلسلة لأعداد لا يمكن أن تستمر بعدها، أو بسبب أحوال اقتصادية كارثية، أو فضيحة خاصة بشركات بونزي نفسه أيا كان، ما يتسبب في أن يطالب العديد من المستثمرين -خاصة المشاهير منهم ورجال الحكومة- بأموالهم، يوقف ذلك السلسلة فتنهار كل طبقاتها فوق بعضها البعض بسرعة مهولة وخلال أيام.
الآن دعنا نتطرق مجددا إلى العملية الحسابية البسيطة التي تعاملنا معها قبل قليل، في سلسلة بونزي ربما يكون غير مهم أن تزداد أعداد العملاء باضطراد، ويكفي فقط أن يستمر العمل قائما بوجود عدد من العملاء الجدد مع إقناع العملاء الحاليين بالاستمرار في استثمارهم، ويمكن أن تأخذ الأموال من كل طبقة لتعطي سابقتها وتحصل لنفسك على نسبة من الأرباح، أنت هنا تعمل بطريقة بسيطة تقول “خذ من محمد وأعط عليًّا، ثم خد من حسام وأعط محمدا، وهكذا”، لكن ما نسميه8 “السلسلة الهرمية” (Pyramid Scheme) هو تطور أكثر قسوة لحالة بونزي، قد يختلف عنه في الآليات، لكن الهدف واحد.
تبدأ السلسلة الهرمية بشركة ما، في أي من الأنماط التجارية المعروفة، لتكن مثلا شركة تروج لغرف الفنادق، أو الملابس، أو منتجات التجميل أو الطاقة أو أي شيء، سوف تنضم إلى فريق عمل تلك الشركة كموزع ومروج لمنتجاتها وسوف يكون مطلوبا منك أن تعمل على إيجاد المزيد من الأشخاص للدخول في الشركة بالأسفل منك في الهرم، هنا سوف تعدك الشركة أن تحصل على عائد عن أرباح مبيعات هؤلاء الذين أقنعتهم، وعائد الذين سيدخلون بسببهم كذلك، وهكذا إلى ما لا نهاية، والفكرة ببساطة أن تصنع هرما، تقف إدارة الشركة في أعلاه، ثم يستمر الموزعون بالتدفق في صورة هرمية، فالقاعدة بالأسفل دائما أعداد موزعيها أكبر ممن أقنعوهم.
وسيلة الربح الحقيقية في السلسلة الهرمية هي تجنيد عملاء جدد يشترون المنتجات أو يدفعون رسوم التسجيل، لذلك يعمل كل فرد على استقدام المزيد من الضحايا في قاعدة الهرم
كيف تعرف أنك تخضع لاحتيال هرمي؟
تنتشر شركات التسويق الهرمي بصورة مهولة في العالم المعاصر (وفي العالم العربي كذلك)، بل ويمكن القول إن هناك، في محيط قارئ هذا المقال، شخصا أو أكثر يعمل بإحدى تلك الشركات، وإن هناك احتمالا كبيرا أن يكون القارئ نفسه قد تعرض لمحاولة أو أكثر من أحد مسوقي الشركات الهرمية أو الشبكية أن يضمه في الشبكة الخاصة به، لكن في تلك النقطة من حديثنا معا ربما ستود أن تسأل: وما المشكلة في أن يصنع أحدهم شبكة لكي يروج لمنتجاته بصورة مباشرة بين الجمهور؟9، 11،10
سؤال مهم، خاصة وأن تلك الشركات لا تظهر لك بوضوح، بل تتنوع وتتشكل بصور متعددة، فتجد أحدهم يقول لك: “لا، نحن نعمل بالتسويق الشبكي وليس الهرمي”، وتجد آخر يقول: “لا، أنت لا تفهم، نحن نعمل في البيع المباشر”، ثم تجد ثالثا يحاول إقناعك قائلا: “والفكرة هي أننا نروج للمنتجات عبر العملاء فنكسب عدد تجار أكبر، ونتخطّى حاجز تجار التجزئة”، لكن على الرغم من كل ذلك اللغط، والدخول في شوارع جانبية أثناء محادثاتهم معك، هناك عدد من العلامات الواضحة التي ستكون مُميِّزة دائما لكل نشاط احتيالي من هذا النوع.
في سلسلة بونزي مثلا كانت المشكلة هي أن أرباح الطبقة العليا (الحديثة) تستخدم لتلبية احتياجات الطبقة التي تليها من الفوائد، لكن في السلسلة الهرمية يتربح رأس الشركة من أموال القادمين الجدد، والذين تم إقناعهم للانضمام عبر آخرين يودون الحصول على الأرباح من خلالهم، لكن السؤال المهم هنا هو: لم لا يتحصل هؤلاء على أرباحهم عبر المنتجات الخاصة بالشركة؟ هنا تظهر الفكرة المحتالة، هذه المنتجات، سواء كانت مستحضرات تجميل، أو ملابس، أو غرف فنادق، أو منازل في قرى سياحية، أو عطورا، أو أي شيء آخر، لا أهمية لها في عملية التسويق، إنها شركات تدّعي أنها موجودة بالسوق من عشرات السنين، لكن رغم ذلك فأنت لم تسمع بمنتجاتها من قبل، ولا تجدها على أرفف المحال التجارية، وفي الغالب تكون ذات خامات سيئة.
بالانضمام إلى السلسلة الهرمية سوف تكتشف فورا أن الربح الأساسي الذي يتحصل عليه هؤلاء، وأنت بينهم، يأتي بشكل رئيسي تماما من استقدام المزيد من الضحايا، الذين يدفعون بدورهم مبالغ لا يهم أن تكون فائقة الضخامة، وهنا يظهر أحد الأسباب الرئيسية للانتشار المفرط لشركات التسويق الهرمي (على عكس الوضع في سلسلة بونزي والتي غالبا ما تعمل على الأغنياء ذوي الضربات القوية بمبالغ ضخمة)، ثم يكتشف هؤلاء فورا حقيقة أنهم لن يتحصّلوا على أي أرباح إلا باستقدام المزيد من الأشخاص، وهكذا يستمر الهرم في بناء ذاته، لكنه ليس مثل هرم خوفو العظيم، هذا الهرم الجديد يُبنى من القمة إلى القاعدة باستمرار.
حسنا، تلك هي إذن أولى علامات الاحتيال، أن يقوم أحدهم بدعوتك للعمل في شركة لم تسمع بمنتجاتها من قبل، ويطلب منك أن تعمل بدورك على إيقاع المزيد من المستثمرين، سوف تلحظ فورا أهمية الشبكة في التسويق، بل إنه في أثناء حديث هذا الشخص الذي يعرض عليك العمل معه لن تجد إلا إشارات بسيطة عن المنتج، الفكرة من الأساس هي في استكمال الهرم، أما ثاني علامات الاحتيال، وهي ما يميز العمليات “بونزي” كذلك، فهي الوعود المجنونة، سيارات أحدث طراز، رحلات إلى كل قارات العالم، تقاعد مبكر، أرباح سنوية مهولة لا يمكن تصورها، جنة على الأرض سوف تجعل منك أحد أبطال فيلم “The Wolf of Wall Street”.
لا يوجد شيء اسمه غداء مجاني
في أثناء ذلك كله يقدم لك المحتال نموذج استثمار بسيطا، فكما أقنع بونزي الناس أنه يستثمر أموالهم في كوبونات البريد، يقدم لك محتالو شركات التسويق الهرمي فكرة مقبولة لشركة بسيطة تبيع العطور بفارق سعر لصالحك، يقنعك بأن الهدف هو أن نتخلص مباشرة من الوسطاء الذين يتحصلون على أرباح كبيرة لتكون أنت الوسيط الجديد، وبما أنك غير خبير في أصول التحليل المالي، أضف إلى ذلك أن ما يستمع للمسوق ليس عقلك بالأساس وإنما هي أطماعك بالحصول على أرباح خرافية مستقبلية، فسوف تقتنع بالفكرة.
لذلك، إن تأملت الفكرة قليلا، سوف تجد أن منتجات هذه الشركات تباع فقط لموظفيها المنضمين للهرم، وهذا هو نموذج عمل عجيب لا شك، قد تحاول بعض الشركات أن تضم العملاء كمسوقين، لكن هدف البيع نفسه هو الجمهور الذي يقع خارج حدود الشركة، أما ذلك النموذج المتصاعد فهو صورة وهمية يمكن هدمها بسهولة عبر تأمل احتمالات تصاعد مستويات البيع الخاصة بك، فمثلا حينما يجلس صديق قديم معك ليقنعك بأن الأرباح سوف تستمر للأبد إن استثمرت نقودك معه أو انضممت لفريق عمله، يمكن أن تقول له إن حسبة رياضية بسيطة ستقول إنه لو كان لكل نقطة في الهرم نقطتان فقط أسفل منها (نعم نتحدث هنا عن نقطتين فقط)، فسوف نحتاج في المستوى العشرين من الهرم إلى 33 مليون شخص، هذا يعني أن تقنع دولة صغيرة بارتداء قميص ذي خامات رديئة!!
تأمل تلك العلامات الخمس التي أوردناها في الإنفوجراف السابق، حتما ستتذكر ذلك الصديق القديم الذي اتصل بك فجأة في إحدى ليالي الشتاء الفائت ليقول لك: “ما أروع الأيام الخوالي”، وإنك كنت أفضل أصدقائه، وإنها “كانت أيّام”، ثم فجأة يطرح السؤال المُنتظر: “انت تعرف شركة كذا؟”، هنا تبدأ عملية الإقناع، والتي غالبا ما سوف تحتوي على وعود بدخل كبير خلال فترة قصيرة جدا، هذا الدخل لا علاقة له بأن تبذل جهدا في أن “تبيع” شيئا ما للجمهور وتحصل على هامش الربح، ولكن له علاقة فقط بمشتركين جدد سيتسببون لك في هذا الربح.
من تلك النقطة يمكن أن نتعلم عن الفارق بين الشركات الهرمية والعادية، الشركة العادية هي التي تبيع منتجا ما وتطمح لتوسيع نطاق انتشاره عبر أي وسيلة مشروعة، فالمنتج من المفترض أنه جيد ومعروف ويمكن أن ينافس في السوق التي تتقبل تلك المنتجات، لكن هذه الشركة لن تنهار إن توقف العملاء الجدد عن شراء منتجهم أو بتوقف التوسع في مناطق البيع، أما شركات التسويق الهرمي فستنهار فورا بتوقف المنظومة الهرمية، لأن منتجاتها لا أهمية لها بالأساس، والأهمية القصوى هي فقط للضحايا الجدد، هنا سنعرف السبب في أن يلجأ المسوق بالسلسلة الهرمية إلى أشخاص يثق بهم كالأقارب والأصدقاء، لأن شخصا عاديا لن يقتنع بمنتج غامض أو رديء، فقط الصديق -مثلا- قد يفعل.
الجزيرة
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=68535