عاد مسجد النجاشي التاريخي في إقليم تجراي شمالي إثيوبيا، ليجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، بعدما أنهت وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا”، في سبتمبر/أيلول الماضي أعمال ترميمه، ليصبح تحفة معمارية تسر الناظرين.
ومسجد النجاشي الذي بُني على أول بقعة عرفت الإسلام بإفريقيا، يقع في قرية تحمل الاسم ذاته على بعد نحو 770 كم من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
ويعود تاريخ بناء المسجد إلى هجرة المسلمين إلى الحبشة، عندما أمر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) صحابته في السنة الخامسة من البعثة (615 ميلادية) بالهجرة إلى هناك في ظل تعذيب الكفار لهم، حيث أحسن ملكها، “أصحمة بن أبجر النجاشي”، معاملتهم، ورفض تسليمهم إلى قريش.
وفي العصر الحديث، شهد المسجد ثلاثة ترميمات، حيث قام الشيخ محمد عبده، وهو رجل أعمال إثيوبي في عهد الرئيس الإثيوبي السابق، منغستو هيلي ماريام (1987 ـ 1991)، بإعادة بناء المسجد، وقبل 25 عاماً، أعاد الملياردير السعودي، محمد حسين العمودي، بناء المسجد.
فيما جاءت أعمال الترميم والصيانة الثالثة علي يد وكالة “تيكا ” التركية، ليظهر المسجد بعدها في حلته الجديدة، مستعيدا رونقه بعد انتهاء أعمال الترميم التي نفذتها الوكالة منذ العام 2014 .
ويقول القائمون على المسجد ومسؤولون في مجال السياحة بإقليم تجراي، إن مسجد “النجاشي” شهد تزايدا في أعداد الزائرين من إثيوبيا وخارجها، لاسيما بعد ترميمه الأخير على يد “تيكا”.
وبخلاف المسجد، شملت أعمال الترميم التي نفذتها “تيكا”، أضرحة “النجاشي” و15 صحابياً، في القرية ذاتها.
**رسالة شكر لتركيا
وفي حديث للأناضول، عبر الشيخ على أحمد إبراهيم، إمام مسجد النجاشي، عن سعادته لاكتمال ترميم المسجد، وقال إن “الجهود التركية المتمثلة في الدور الذي قامت به وكالة تيكا هي التي أعادت لهذا المكان رونقه فأصبح مزارا سياحيا يقصده المسلمون والمسيحيون”.
وبعث الشيخ إبراهيم، برسالة شكر وتقدير لحكومة وشعب تركيا لدورهم الطليعي في تجديد وتوسعة المسجد، لافتا إلى أنه بجانب ترميم المسجد والأضرحة، قامت الوكالة ببناء مرافق خدمية أخرى؛ من بينها مطبخ عصري يكفي 500 شخص.
وتقع قرية النجاشي التاريخية، على بعد 45 كم شمال مدينة مقلي، عاصمة إقليم تجراي، ويوجد في القرية المسجد الشهير وأضرحة 15 صحابياً، وبجوارها قبر الملك “الصالح أحمد النجاشي” (كما يسميه الناس هناك)، الذي حكم الحبشة بين عامي 610 و630 ميلادية، واستقبل المهاجرين المسلمين الأوائل.
وأوضح الشيخ إبراهيم أن “القرية تشهد مزارين سنويا، أحدهما في رمضان، حيث يقصدها كثير من المحسنين لتوزيع صدقات أموالهم والطعام على الفقراء والمساكين، الذين يتوافدون على مسجد النجاشي، والأخر في شهر محرم، وتحديدا يوم عاشوراء”.
وقال إن احتفال عاشوراء هذا العام شهد مشاركة واسعة من الإخوة الإريتريين بعد عودة العلاقات بين البلدين، مؤكدا أن المسجد يقصده كبار العلماء والشخصيات الدينية ومسلمون آخرون من مختلف المناطق الإثيوبية ومن خارج البلاد.
ووقعت إثيوبيا وإريتريا في سبتمبر/أيلول الماضي اتفاق سلام تاريخي في مدينة جدة السعودية، برعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، والذي أنهى رسميا قرابة 20 عاما من القطيعة .
وختم إمام مسجد النجاشي بالقول إن وكالة “تيكا” التركية حفرت بئرا بعمق 250 قدما، فأصبحت المياه الصالحة للشرب متوفرة لأهلي قرية النجاشي، ويشرب منها المسلمون والمسيحيون على حد سواء .
**مزار عالمي
من جانبه، قال نبيوت تكلي برهو، المسؤول الأول في إدارة التسويق السياحي والترويج بإقليم التجراي الإثيوبي، إن مسجد النجاشي يعتبر أحد أهم المعالم التاريخية والتراثية بإثيوبيا، ويمثل مزارا عالميا .
وأضاف، “تكلي” للأناضول، أن عملية الترميم التي تمت لمسجد النجاشي زادت من أعداد الزوار خاصة من داخل إثيوبيا، مشيرا إلى أن المناطق الأثرية والتاريخية على مستوى الدينين المسيحي والإسلامي تعتبر أحد معالم إقليم التجراي .
ولفت الى أن مسجد النجاشي يعتبر أهم المناطق الأثرية في إفريقيا، وظل يشهد اهتماماً من كل الباحثين في مجال الثقافة والتراث.
**تحفة معمارية
بدوره، قال ناصر سيدي صالح الذي جاء من ألمانيا بصحبة زوجته الألمانية لزيارة المناطق الأثرية في إثيوبيا :”أنا سعيد بزيارة أول مسجد في إفريقيا، مسجد النجاشي، الذي يعتبر رمزا للمسلمين في العالم”.
وأشار “سيدي صالح” للأناضول إلى أنه كان يزور مدينة هرر شرقي إثيوبيا، عندما نصحه بعض السكان المحليين هناك بزيارة قرية ومسجد النجاشي.
وتابع “في بداية الأمر عندما أخبروني بأنه مسجد أثري قديم لم أتوقع أن يكون بهذا الجمال والرونق”.
وأضاف” أنا أقف الآن أمام لوحة جمالية تحمل تاريخ وحاضر أمتنا الإسلامية، وسأعكس ذلك لأصدقائي وأخوتي لزيارة هذا المكان المقدس والجميل “.
ولفت أنه يعرف الكثير من الأتراك في ألمانيا وسيخبرهم حين يعود بالدور التركي بمسجد النجاشي، والذي وصفه بـ “العمل الكبير الذي يجب الإشادة به”.
كما عبرت زوجته، “فلورانس لنق”، في حديثها للأناضول عن سعادتها بزيارة مسجد النجاشي.
وقالت :”المسجد تحفة معمارية، لم أتوقع أن يكون بهذا الجمال، إذا قدر لي سأزور هذا المسجد مرة أخرى”.
يشار إلى أن تسمية “الحبشة” كانت تطلق قديما على المنطقة الواقعة شمال شرقي إفريقيا، وتشمل كلا من إريتريا، والصومال، والسودان، وجيبوتي، وإثيوبيا حاليا، ثم أصبح الاسم اليوم قاصرا على إثيوبيا.
وحين أمر النبي محمد أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وصف النجاشي (لقب كان يطلق على حاكم الحبشة آنذاك) بأنه “ملك عادل لا يظلم عنده أحد”.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=73050