تناول تقرير لشبكة الجزيرة القطرية أسباب اهتمام القيادة التركية، وخاصة الرئيس رجب طيب أردوغان، بإبراز ملاحم الدولة العثمانية عبر الدراما التاريخية في الآونة الأخيرة.
وأكّد التقرير أن صور ومظاهر إحياء الأتراك لحقبة الإمبراطورية العثمانية لم تعد أمراً عادياً تخبئه مجلدات التاريخ وتسترجعه الأجيال الجديدة من قصص الأجداد وحكايات كبار السن، ولكن هذه الصور أصبحت خلال السنوات الأخيرة جزءا من واقعهم وحياتهم اليومية وتكوينهم الثقافي والقومي، وذلك بفعل التوجهات الرسمية والمظاهر الشعبية التي لا تزال حاضرة بينهم وبقوة، وكذلك الدراما التي تملأ شاشات منازلهم.
وبعد مئة عام من سقوط الإمبراطورية العثمانية (1918) يستمر الأتراك في حرصهم على استعادة تفاصيل حدثت خلال فترات حكم الدولة العثمانية، ويجسدونها في واقعهم؛ مستلهمين منها التقاليد والموروثات الشعبية والدينية وحتى أمور السياسة، حسب الجزيرة.
فمن مسلسل قيامة أرطغرل الشهير، الذي بدأ بثه في ديسمبر/كانون الأول 2014، وأنتج على أربعة أجزاء، ومسلسل عاصمة عبد الحميد (بدأ عرض أولى حلقاته في فبراير/شباط 2017)، ثم مسلسل محمد الفاتح (بدأ بثه في مارس/آذار 2018) وكذلك مسلسل “الكوت والعمارة” الذي انطلق في يناير/كانون الثاني 2018، وبقية الأعمال الدرامية التي تجسد وتحاكي تأسيس الدولة العثمانية وفترات الحكم.
جميع تلك الأعمال جاءت على عكس أفلام الدراما التركية خلال مرحلة السبعينيات والثمانينيات التي كانت تحاكي الجانب الغربي.
لتنتقل تركيا بحسب مراقبين خلال الفترة الحالية للاهتمام بإبراز ملاحم تاريخ الدولة العثمانية، ليس للأجيال التركية الحالية فحسب، بل إلى أكثر من مئة دولة حول العالم أيضا، والتي وصلتها تلك الأعمال الدرامية وتحتل المرتبة الثانية بعد الدراما الأميركية، كما تشير التقارير التركية الرسمية.
وحول سبب هذا الاهتمام بالدراما التاريخية التي تتحدث عن نشأة الإمبراطورية العثمانية وصراعاتها؛ قال الباحث والكاتب التركي فراس رضوان أوغلو إن ذلك يعود للاهتمام الذي أولاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهذا الجانب، “من أجل إعادة إحياء أمجاد الأمة وتذكير الشباب التركي بتفاصيل كل تلك المراحل”، ويظهر ذلك من خلال زيارة أردوغان لمواقع تصوير مسلسل أرطغرل، واصطحاب أبطاله إلى بعض دول الخليج.
وبحسب حديث أوغلو، وهو باحث في التاريخ، فإن أغلب الشعب التركي حتى فترة قريبة كان بالفعل لا يعرف الكثير من تفاصيل تاريخ بلاده، خاصة ما حدث خلال فترات نشأة وحكم الدولة العثمانية، وساعدته المسلسلات الدرامية في معرفة ذلك عن قرب.
ويفيد أوغلو بأن الدراما التاريخية تعد في الوقت الراهن سلاحاً سائداً وأكثر قبولاً وانتشارا ليس على المستوى التركي فحسب، بل أيضا على الساحة العالمية بشكل عام؛ ولهذا اختارت تركيا أن تدخل هذا السباق.
وهذا ما يؤكده أيضاً الباحث اليمني المهتم بالشأن التركي نبيل البكيري، حيث يرى أن “مسيرة الفن التاريخي خلال مرحلة العدالة والتنمية بمختلف مجالاته (المسرحي والتلفزيوني والإذاعي والدرامي) شكلت واحداً من أهم الملامح التي يراد من خلالها إحياء القومية التركية واستعادة قيم ومجد العثمانيين”، وربط ذلك المجد بوضع تركيا تاريخياً وإعادة وصل ما انقطع من أمجاد المرحلة العثمانية مع جمهورية مصطفي كمال أتاتورك، التي بدأت عام 1923.
وأسهمت الدراما في استعادة ثقة الأتراك في ماضيهم، وعززت فكرة القومية والهوية والدولة لديهم، وفقاً للبكيري، “حيث أصبحت تلك المفاهيم اليوم مرتبطة بشخصية الإنسان التركي، وأيضاً بما حققه حزب العدالة والتنمية من إنجازات في إطار سعيه لتشكيل هوية جديدة ليست منفصلة عن الهوية العثمانية، وإنما امتداد لها، كما يعتز بها غالبية الأتراك اليوم ويتحدثون عن ذلك”.
وفي الواقع، إن ما تجسده الدراما التاريخية التركية عن الإمبراطورية العثمانية لا يختلف كثيراً عما يؤمن به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويحرص على تذكير الأتراك به في معظم أحاديثه، بل أصبح يهتم باستعادة بعض تلك المظاهر في البروتوكولات الرسمية وخطاباته الشعبية بشكل مباشر.
ففي منتصف مارس/آذار 2016، استقبل الرئيس التركي أردوغان نظيره الأذربيجاني إلهام علييف على أنغام موسيقى النشيد العثماني “المارش” وبمواكب الخيول.
وبطريقة مشابهة، استقبل أردوغان كذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وانتشرت صور لأردوغان ومن خلفه جنود يرتدون زي المحاربين الأتراك وفقاً للتقليد العثماني، وكانوا يحملون تشكيلة من الأسلحة (سيوف وخناجر وسهام ونبال وخوذات تقليدية ودروع)، وهو ما أثار جدلاً في الإعلام المحلي التركي واعتبره البعض مبالغة.
ولا يتردد الرئيس أردوغان في معظم خطاباته في الحديث عن ضرورة استلهام التجارب من الدولة العثمانية، حيث أكد في خطاب في ديسمبر/كانون الأول 2014 ضرورة استعادة تعلم اللغة العثمانية في المدارس التركية.
وقال أردوغان “آن الأوان للعودة إلى جذورنا، هناك من يشعر بالانزعاج من عودة اللغة العثمانية، وهي في الأصل تركيتنا القديمة، وليست لغة أجنبية، لكن شاؤوا أم أبوا ستعود”.
وبحسب باحثين أتراك تحدثوا للجزيرة، فإن الاستعراض الرسمي للدولة التركية يتوسع بشكل أكبر، وجرى إنشاء تقاليد أخرى مثل زيارة قبر أتاتورك وضريح الشهداء (الجندي المجهول) والاحتفال بمناسبات لم تكن موجودة في الزمن العثماني.
وهناك التشكيلات العسكرية التي تبدو على نفس الترتيب والأسماء، وكذلك الدوائر الحكومية والدواوين والأرشيف، التي لا تزال كما كانت في السابق، وذلك يعني في مضمونه أن الكثير من مظاهر الدولة العثمانية باقٍ رغم تغيير النظام الحاكم.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=74299