ماذا تعني مدينة إسطنبول للعرب ؟

Amani Kellawi7 نوفمبر 2018آخر تحديث : الأربعاء 7 نوفمبر 2018 - 9:35 مساءً
ماذا تعني مدينة إسطنبول للعرب ؟

المصدر: يني شفق

الكاتبة والأديبة السورية عبير النحاس في مقالها الجديد في جريدة “غرتشك حياة” ترصد الحياة الأدبية للعرب الذين يمموا وجوههم نحو إسطنبول، في هذه المدينة الفريدة التي تجمع كل المعاني بداخلها، باتت تحتضن مئات الأدباء والشعراء والكتّاب من العرب، وهذا ما دفع الكاتبة النحاس أن تكشف في مقالها عن أهمية إسطنبول بالنسبة للعرب.

لن يستطيع رجال الفن الأدب في العالم العربي العثور على ما يجدون في إسطنبول في أي مدينة أخرى. أولهما الحرية، وثانيهما إمكانية التجمع بأريحية تامة. وإذا سألتموني ما هو ما لا يستغني عنه الفنان والأديب ليتمكن من تقديم أعماله، أقول لكم إنه هذان الشيئان.

بدأ تدفق العرب على إسطنبول عام 2012، وحدث به دفعة كبيرة عام 2013 عقب انقلاب السيسي في مصر واكتساب نظام الأسد في سوريا القوة من جديد. وبعد مثقفي مصر وسوريا تبعهم القادمون من اليمن والعراق وتونس ودول الخليج. ففي سوريا ظهر شبح جديد اسمه داعش، وأما اليمن فالحرب الداخلية أتت بها على الأخضر واليابس. ولقد أسس العرب القادمون إلى إسطنبول أول دار نشر لهم ليبدؤوا أنشطتهم الثقافية فورا. وخلال تلك الفترة وصل عدد دور النشر العربية بالمدينة إلى عشر دور وتنوعت الكتب العربية بمرور الوقت. فأي دور النشر تلك؟ صفحات، بقاء، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، سراي كتاب، الأسرة العربية وغيرهم. واليوم توجد 36 دار نشر تنشر الكتب العربية.

شهد عام 2015 إقامة أول معرض للكتاب العربي من جانب شبكة الدراسات العربية في مكان يعود لاتحاد الكتاب الأتراك في منطقة سلطان أحمد الشهيرة. وقد شهد ذلك المعرض لحظات لا تنسى. وسرعان ما اكتسب المعرض صبغة دولية بحلول عام 2016. وقد التقت دول النشر القادمة من البلدان العربية في إسطنبول وبدأت تعلن المدينة التركية عاصمة للثقافة العربية. وفي العام ذاته شاركت بصفتي ناشر عربي في معرض الكتاب التركي الذي استضافه مركز CNR بإسطنبول. وبحلول عام 2017 تضاعفت نسبة المشاركة في المعرض، وأما في أبريل/نيسان 2018 أصبح لمعرض الكتاب العربي مكان خاص به. وأما سبتمبر/أيلول 2018 فقد شهد إقامة معرض ضخم يشبه بالضبط المعارض الكبرى التي تقام في العواصم العربية. بل يمكن القول إن معرض إسطنبول يتوفق عليها جميعا. ذلك أن الكتاب العرب لا يستطيعون نشر قائمة “الكتب المحظورة” في بلدانهم ويخشون أن يتعرضون للمضايقات بسبب ما يكتبونه، وهو ما لا يحدث في تركيا مع تسامح الحكومة التركية.

لا زال أتذكر الأعمال التي قمت بها في معرض أبريل/نيسان 2018. لم أشعر بالحاجة لدعوة أحدهم من خارج تركيا لحضور المؤتمرات وسائر الفعاليات الأخرى. فكل الأسماء الحاضرة تقريبا كانت تعيش في إسطنبول، وكان بينهم أسماء بارزة في عالم الفكر والأدب. كنا نقيم 4 فعاليات في اليوم الواحد. ولن أنسى أبدا أنني شهدت بنفسي على أن إسطنبول يعيش بها الكثير من الشخصيات الكبيرة من الكتاب الذين يمثلون الشعوب العربية.

كتلة المنبر العربي

يوجد الكثير من المنابر العربية في إسطنبول. وكمثال يمكن أن نذكر اتحاد الكتاب السوريين الأحرار واتحاد الكتاب والأدباء السوريين واتحاد كتاب الأناضول وبيت الثقافة السورية وبيت الإعلام العربي. وعلينا أن نلقي نظرة كذلك على ما المنشورات. ولنذكر في هذا المقام الصحف والمجلات العاملة سواء بشكل مطبوع أو على الإنترنت. مجالات هدية الأطفال، سلمى، سلام، فيدان، زيتون، وصحف مثل عنب بلدي وسوريتنا.. وكان هناك كيانات نشرية أخرى لكنها أجبرت على إغلاق أبوابها بسبب الصعوبات المادية.

لم تتردد القنوات التليفزيونية والإذاعية التي لم تجد إمكانية البث في ظل القمع بالبلدان العربية ولو للحظة في اختيار إسطنبول لتكون منبرا لها. القنوات التلفزيونية: مكملين، رافضون، الشرق، بلقيس، قناة سوريا، أورينت نيوز. المحطات الإذاعية: وطن، مسك إف إم، راديو بيسان وغيرها.

يستطيع العرب في إسطنبول ممارسة العديد من الأنشطة. فالجامعات ومراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني تعقد المؤتمرات والندوات والجلسات وسائر الفعاليات الأخرى التي يشارك بها الكثير من العرب. وإذا ما وضعنا كل هذه النقاط بعين الاعتبار، سنجد أن مكانة إسطنبول في عين المثقف العربي مختلفة تماما. فإسطنبول، قبل أي شيء، هي عاصمة الخلافة العثمانية وترمز إلى وحدة الأمة الإسلامية. وفي الواقع فإن الكثير من القيم التي نفتقدها اليوم يمكن أن تحيا من جديد في مركز إسطنبول التي تحمل داخلها بذرة هذا الإحياء من جديد.

مدينة ساحرة

تعتبر إسطنبول مدينة ساحرة بالنسبة للمثقف العربي. فهي مدينة فاتنة دائما ببحرها وتلالها السبع وتاريخها وآثارها ونسيجها الذي لا يهمل الجانب العصري الحديث. ويمكن للمرء أن يشاهد داخل هذا السحر صخبا ثقافيا متنوعا يضم أناس ولغات وأديان من كل بقاع العالم. ولا بأس من النظر إلى إسطنبول على أنها عاصمة العالم. فضلا عن أنها تستضيف مجموعات الوثائق التي تعكس التاريخ العربي بكل تفاصيله.

لقد كانت إسطنبول عاصمة أكبر وأعظم إمبراطوريات العالم على مدار أكثر من ألف عام، وهو ما جعلها مركزا ممسكا لمفاتيح الديار البعيدة. تضم المدينة أرشيف عشرات البلدان في أوروبا وآسيا وأفريقيا. وهو حتى ما يكفي لإضفاء أهمية كبيرة على المدينة. وليس من الصعب أبدا الاستفادة من هذه الأرشيفات، ذلك أن كل من يتقن اللغة العثمانية يستطيع سبر أغوار هذا الكنز. وعندما يأتي الباحثون الأجانب من خارج تركيا للاستفادة من هذه الأرشيفات باسم بلدانهم تكون لديهم ميزانية محددة، ويكونون متقنين للغة العثمانية. بيد أن الباحثين القادمين من البلدان العربية لا يحظون بأي دعم مادي، فلا يكون لديهم سوى إمكانياتهم الخاصة. كما أنهم لم يحصلوا أبدا على أي تعليم جيد باللغة العثمانية. ولعدم إتقانهم للغة، فإنهم يجدون أنفسهم غارقين بين ملايين الوثائق، فما يضطرهم للعودة إلى بلدانهم بخفي حنين ولا يحصلون على مكافأة جهودهم.

الأنظمة العربية لا تحب الحقائق

إذن، ما سبب هذا الأمر؟ لا تريد الأنظمة العربية التي صارت دمية بأيدي الإمبريالية الغربية في إماطة اللثام عن التاريخ الحقيقي. فهذه الأنظمة لا يروق لها معرفة الحقيقة التي مفادها أننا ناضلنا ضد الإمبريالية الغربية تحت راية واحدة في وقت من الأوقات. فمضاجع تلك الأنظمة تضح عند سماع حقيقة أن الدولة العثمانية دافعت عن العرب في مواجهة الإمبريالية الغربية. تعالوا نصغي سمعا للدكتور مصطفى الستيتي:

“لقد رأيت بنفسي باحثين قادمين من دول أوروبا واليونان وإسرائيل يتحدثون اللغة التركية ويتقنون اللغة العثمانية جيدا. وقد خصصت المؤسسات التي ترسلهم للقيام بالأبحاث ميزانية كافية تلبي احتياجاتهم المادية والمعنوية. كانوا يعلمون جيدا عن ماذا يبحثون ولماذا يجدونه هناك. أما عدد الباحثين العرب فقليل لا يتعدى أصابع اليد الواحدة. كانوا مضطربين لتلبية جميع احتياجاتهم من مالهم الخص. كانوا عاجزين على التركيز بأي حال على أبحاثهم بسبب ضيق ذات اليد، ذلك أن إسطنبول كانت مدينة باهظة للعيش بها”.

لقد هدم أعداؤنا الإمبراطورية العثمانية وقطعوا الصلة بين الدول الإسلامية، أعقب ذلك موجات الاحتلال المتتالية. وعندما جعلوا تركيا تركع انقلبت وحدة الأمة رأسا على عقب. وبينما كانوا ينهبون كل ما نملك لم يتركوا مشاعرنا التاريخية وحسبها. وبعد مرور مائة عام ها نحن اليوم يدا بيد عرب وأتراك. فما رأيكم لو قلنا إلى تجمعنا في إسطنبول يعتبر بداية عصر جديد للأمة الإسلامية؟

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.