كثير من المتابعين اعتقد لحظة اعتقال وزير المالية السعودي السابق إبراهيم العساف، بتهم فساد، ووضعه في فندق ريتز كارلتون، نهاية “سياسية” لدكتور الاقتصاد خريج جامعة كولورادو الأمريكية، الذي تقلب في الكثير من المناصب العليا في المملكة، إلا أن تعيينه الخميس، على رأس وزارة الخارجية، قد يكون آخر ما كان يطمح إليه الرجل نفسه، في مثل هذه الظروف.
تعيين العساف (69 عاما)، وزيرا للخارجية خلفا لعادل الجبير، جاء بعد مخاضات مفاجئة وسريعة، فالرجل الذي تولى وزارة المالية طيلة 20 عاما، حتى اعتقد البعض أنه أحد ركائز الدولة التي لا تتغير بتغير الملوك، فجأة وبدون سابق إنذار وجد نفسه معتقلا في أفخم فنادق العاصمة السعودية الرياض، بتهم الفساد، إلى جانب مئات الأمراء ورجال الأعمال والوزراء والمسؤولين النافذين، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
كان المشهد حينها أن أسطورة الوزير الذي لا يتغير بتغير الملوك، قد انهارت، وأن المسار السياسي لأحد أقدم وزراء المملكة وصل إلى منتهاه، لكن العساف، عاد ليفاجئ الجميع بظهوره في مجلس الوزراء، لكن فقط كوزير دولة، بعد أن تمت تبرئته بصورة غامضة، غموض طريقة اعتقاله.
فالرجل يحسب له أنه لعب دورا في تجنيب العائلة المالكة في السعودية “الإعصار الشعبي” الذي عصف بعدة دول عربية، وأطاح برؤساء أقوياء على غرار حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا.
ومنذ 2011، خصص العساف، بأوامر ملكية، عشرات المليارات من الدولارات على صالح المواطنين، لشراء السلم الاجتماعي، وتفادي موجة “الربيع العربي”، مستفيدا من ارتفاع أسعار النفط، خصوصا وأن المملكة من أكبر المنتجين للنفط، بل وأكبر اقتصاد في الوطن العربي.
وفي عهده، شهدت المملكة أكبر موازنة في تاريخها، حيث بلغت في 2011، قرابة 155 مليار دولار، قال العساف، إنها ستنفق بشكل أساسي على البنية التحتية وتحفيز الاقتصاد والتعليم.
لكن أسهم الرجل تراجعت قليلا مع تراجع أسعار النفط منذ 2014، ودخول السعودية حرب اليمن وقيادتها التحالف العربي في 2015، مما استنزف الكثير من الموارد المالية للمملكة، رغم أن احتياطاتها المالية بقيت كبيرة حتى بعد فقدانها مئات المليارات من الدولارات.
وتعرض العساف، لإحراج شديد، عندما صرح نائب وزير الاقتصاد والتخطيط محمد التويجري، عن “إفلاس المملكة بعد 3 أو 5 سنوات”، إذا لم يتم اتخاذ إصلاحات اقتصادية.
وأثارت هذه التصريحات غضبا في المملكة، وألقت ظلالا من الشكوك حول وضعية اقتصاد البلاد، والسياسة المالية التي ينتهجها العساف.
ويعتقد بعض المتابعين للوضع في السعودية أن هذه التصريحات كانت أحد الأسباب التي أطاحت بوزير المالية، بعد أن عمّر فيها طويلا (1996-2016).
والعساف، وإن لم يكن من العائلة المالكة، وليس من رجال الأعمال المعروفين، إلا أنه من الشخصيات البيروقراطية المرموقة، حيث ترأس صندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التقاعد، والصندوق السعودي للتنمية، وصندوق التنمية العقارية.
إذ أنه مَثّل السعودية في كل من: البنك الإسلامي للتنمية، ومجموعة البنك الدولي، وصندق النقد الدولي، وصناديق ومؤسسات مالية عربية.
يمكن القول أن اللجوء إلى العساف، بديلا عن الجبير، قد يعني عودة الحرس القديم لقيادة دفة الأمور في البلاد، بعد أن واجهت المملكة في الفترة الأخيرة عدة صدمات، نتجت عن الاندفاع في معالجة بعض ملفات.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=81779