نور الدويري / كاتبة / مدونات الجزيرة
أثبتت منهجية أردوغان حنكة وقوة ساهمت في تعبيد الطريق التركي وتوسعته لينطلق نحو القمة من جديد، مؤكداً بذلك إمكانية تحقيق نظرية الضوء الحر المولود في فضاء الظلام، إن تحققت فيه شروط الانتماء الوطني وتقديم مصلحة الوطن فوق كل شيء لتكون الخطوط العريضة لأي أجندة حكومية ولدت بعد تركيد قصري لمصلحة الوطن من قبل حكومات تصدرت أجنداتها المصالح الفردية والصفقات المخفية، لتقبر فيه أماني وطموحات الشعب، ليعيش ذليلا يعبد ويستعبد بصمت مبتسم مريض، ويخشى أن يحفر في الظلام ليخرج الضوء الحر ليشع وسطه.
ومن هنا تحديدا لمعت صورة أردوغان بعيون العرب لتجسيده صورة الحلم العربي، ليكون نموذجا يحتذى به بالنسبة لنا كعرب طامحين أن نحصل على شخصية تشبه ملامحه تعتنق منهجه الإصلاحي، فيما عبر أخرون عدم الممانعة أن يكون هو نفسه قائدا ومفسرا للحلم العربي، لإعادة الهيبة العربية والإسلامية، خصوصا بعد أن تمكنت إدارته الناجحة على إنعاش الدين دون تطرف، وصهر المدنية لتقبل الدين كهوية لا تقتل هرم الدولة في محاولة لكبح جماح التحرر، فهناك فرق كبير شاسع بين الحرية المسؤولة والتحرر المطلق.
لا يحق لنا تقييم أردوغان فهذا شأن تركي بحت، وإن ما جعلنا نسعى لتفتيت منهجه هو رمزية اسمه التي قرنها العرب بأوساطه الشعبية وبعض جيد من الأوساط السياسة والثقافية بشخصية المنقذ
أظن أن أردوغان فهمه جيدا، كما بقت منهجيته بشائر إصلاحيه للبنية التحتية، وتبنيه حلولاً طويلة المدى للأخذ بيد الاقتصاد التركي خطوات للأمام، داحرا بذلك فساد وضعف أي مناهج أخرى (سابقة أو قائمة) ساهمت باغتيال الكرامة الوطنية والغوص في وحل الديون الخارجية أكثر، كما برءَ في جذب الأعداء لصفه محققاً بذلك مصلحة وطنية داخلية وخارجية كرا وفرا. ليجسد الطموح العربي بشخصية تشبه أردوغان.
ومن يراقب شخصية أردوغان عن كثب يدرك طموحها اللامحدود وجلل فكرها، مع التمكن من إدراك جانبه الديكتاتوري المبتسم فلا يمكن أن نغض البصر عنها بسهولة إثر لمعان سلوكياته المبالغ بها اتجاه من حاول الانقلاب عليه وسجنه للصحفيين والمعلمين والقضاه وهم العمود الفقري لأي مجتمع بهدف اعادة برمجتهم للولاء له فقط ، مما يؤكد عدم مثاليته المطلقة، ولا أعتقد برأيي الصغير أنه نجح بترويضهم بل ساهم بإثارة الذعر والرعب بفرض سياسته على مجموعة عارضته لمئة سبب وسبب كان من الأفضل له أن يكسبهم فتح حوار وطني مباشر، وهو أمر الذي استغربه جدا لما ترفض الحكومات دائما على فتح حوارات وطنيه مباشرة، إلى هذه الدرجة يخشون الحقيقة.
نعم لا يحق لنا تقييمه فهذا شأن تركي بحت، وإن ما جعلنا نسعى لتفتيت منهجه هو رمزية اسمه التي قرنها العرب بأوساطه الشعبية وبعض جيد من الأوساط السياسة والثقافية بشخصية المنقذ متمنين أن تتبنى قياداتهم شيء من جرئته ووطنيته لتكسر الزجاجة الضيقة التي حبسوا بداخلها منذ عقود ومن يؤكد أن ما دفع العرب لاحترامه هو فقدانهم لذة النجاح الوطني وسط عيشهم سلسلة لا تنتهي من الإخفاقات الوطنية والقومية والتي لا يستشرف نهاية لها في الوقت القريب .
ولا يمكننا أيضا من إغفال حلمه الكبير وطموحه المتجسد بالتمدد التركي، وملامح العلاقات الخارجية مع إسرائيل المشكك فيها وأعتقد أنه أفلح في تطبيق مبدأ التقرب للعدو وجذبه لطاولته للتحاور لتمكنه بذلك من استشراف آفاق أعدائه والإعداد لها بنفس الطريقة. ما يعني أن التحالف مع إدارته سيف ذو حدين، فهو يستطيع اليوم أن يكون جدارا استناديا نستند عليه ثم يّكتب عليه كل ما يؤرقنا فيبقى مقروءا شفافا دون أن يصدع هذا الحائط فتخف وتيرة الأرق والقلق نوعا ما وتشتد الحزمة العربية من جديد قد يكون اليوم وقتا مناسبا للاستفادة من التجربة الأردوغانية وربما اللجوء إليه نظرا للاقتتال العربي والفرقة التي تهدد خريطة الوطن العربي لا شك أن أردوغان أصبح حلما عربيا نضاليا بعيون الملايين. نعم لم ولن يكون أردوغان مثاليا ولكن اسمه حُفر في التاريخ ونقطة، قد يكون صوتي صغيراً أمام تحليلات الخبراء بالشأن لكنه عل الأقل ينطق بثقة.
تنويه: مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن تركيا بالعربي
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=85452