أوراق ضغط تركية في مواجهة الأزمات الأوروبية

Alaa
مقالات
Alaa21 مارس 2017آخر تحديث : الثلاثاء 21 مارس 2017 - 9:23 صباحًا
أوراق ضغط تركية في مواجهة الأزمات الأوروبية

طلت علينا خلال الأيام الاخيرة الماضية أزمة صراع بين تركيا ودول أوروبية مارست من خلالها ازدواجية في التعامل مع بعض القضايا السياسية ،كان على اثرها تعمد بعض الدول الأوروبية مثل ،ألمانيا وهولاندا و الدينمارك …إلخ” إعاقة وإفشال بعض التجمعات الجماهيرية ضمن حملة الحكومة التركية بالتصويت على التعديلات الدستورية التي سوف يجري التصويت عليها 16 ابريل 2017 القادم.

تصاعدة وتيرة الصِدام السياسي بين الجانبين، إلى أن وصل إلى حد وصف بـ”الأزمة الدبلوماسية” واتجهت الانظار الى فرض بعض العقوبات من جانب واحد “تركيا” للرد على هذه الممارسات التي وصفت حينها بـ” الغير أخلاقية” الذي تعرض لها وزراء الدولة التركية من جانب رجالات السلطة الهولاندية.

وفي هذا الخصوص ألقي الضوء من خلال هذه الأسطر بشيئ من البسط للرد على بعض التساؤولات حول ارتفاع نبرة التصعيد التي وصلت إلى حداً بعيداً، ينذر بعواقب وخيمة على أطراف الأزمة، تاركة ورائها آثار سلبية على العلاقات بين الجانبين على المدى البعيد.

هل تصعيد تركيا محسوبا أم كان ردة فعل عشوائية؟!!

أرى أن تركيا عمدت إلى هذا المستوى من التصعيد المتعمد، معتمدة على وجود “أوراق ضغط لديها” تخوّل لها رفع سقف التصعيد إلى هذا الحد،الذي وصلت فيه الأمور إلى درجة الإتهام بـ” الافشية أوالنازية” كما صرح بها الرئيس” أردوغان” في رده على ممارسات السلطات الهولاندية مع وزير خارجيته “مولود جاويش أوغلو”،ومع وزيرة الاسرة التركية “فاطمة بتول قايا”، الأمر الذي ووصف “أردوغان” هولاندا عقبها مباشرة بان”هؤلاء لا يتقنون السياسة ولا الدبلوماسية، إنهم جبناء إلى هذه الدرجة، هم بقايا النازية والفاشية ” الأمر الذي حدا بعض الكُتّاب أن يدلوا بتحليلاتهم وتوقعاتهم ، حوى مصير العلاقات التركية الأوربية جراء هذه التصريحات.

فالحدث بالفعل يحتاج لتعليق وتحليل واستنتاج وفك شفرات،هذا ما دعاني أن أتابع عن قرب ،تصريحات الرئيس”أردوغان” والمسؤلين الأتراك وأتسائل:هل تصعيد تركيا محسوبا ام ردة فعل عشوائية؟!!

وأجبت عن هذا التساؤل بأني أعتقد أن تركيا تعي تماما مدى تأثير هذا التصعيد،ومدى خطورة “إكال ” الإتهامات للجانب الأخر على العلاقات الثنائية بين الجانبين سواء أكان ايجابا أو سلباً،ومن ثم يعمل من خلالها مسؤولين في تركيا عن “إدارة الأزمات” الى تحويلها لإجابية لصالح تركيا،لكسب نقاط سياسية جديدة ،في بعض القضايا العالقة بين الجانبين.

تركيا كغيرها من الدول

تركيا كغيرها من الدول ، لها حسباتها و مصالحها الخاصة،مع باقي الدول ،كما لها أيضاً أوراقها الخاصة،والتي تخوّلها الوقوف أمام التيار المخالف لسياساتها ،الداخلية والخاريجية على السواء،في الوقت المناسب.
وبعد هذه المقدمة سنتعرف من خلال هذه الأسطر القادمة على بعض أدوات الضغط التركية أمام دول الاتحاد عامة والأزمة الهولاندية خاصة فيما يلي:

الجالية التركية وتأثيرها في الداخل الأوروبي

ذكرت في المقال السابق(التوتر التركي – الهولاندي..سيزول ويبقى آثاره) هذه النقطة باستفاضة ،وأعيدها هنا مرة أخرى ،نظرا لأهميتها ولكونها جزءاً أصيلاًمن الموضوع الحالي.

الجالية التركية في أوروبا التي تقدر بالملايين،تعتبر ورقة من أوراق الضغط لصالح تركيا، لتقوم الأخيرة باستثمارها للمشاركة في الحالة السياسية الداخلية هناك،وصنع

القرار داخل تلك الدول،هذا ما بدا واضحا في تصريحات السيد” أردوغان” السابقة على الانتخابات الهولاندية، بتهديد بعض الاحزاب بمنع الجالية التركية (الأغلبية منها) التصويت لبعض هذه الأحزاب وخاصة حزب اليمين المتطرف أو الحزب الحاكم.

أظن أن التصعيد جاء مع هولاندا “خاصة” في هذا التوقيت، والذي أصفه بـ”الحرج” قبيل الإنتخابات البرلمانية التي جرت في هولاندا الاربعاء 15 آذار/مارس الجاري ، ليفضح وهم “ديمقراطية” حزب اليمين المتطرف”الحزب من أجل الحرية” الذي يتزعمه “خيرت فيلدرز” أمام شعب هولاندا، وأيضا الديمقراطية المزعومة للحزب الحاكم “حزب النداء الديمقراطي المسيحي ” الذي يتزعمه رئيس الوزراء “مارك روته” والذي كان له تأثير ومردود على نتائج الإنتخابات البرلمانية التي جرت هناك.

هذا وقد أكد على ذلك رئيس الوزراء التركي “بن علي يلدرم” عقب اعلان النتائج الإنتخابية “باتت أوروبا تبني سياستها وفقًا لتركيا.. انظروا إلى نتائج الانتخابات البرلمانية في هولندا كيف أثرت تركيا عليها وساهمت بفرملة العنصرية في أوروبا”.

قضية الهجرة ورفع التأشيرة

فقضية الهجرة ما هي إلا ورقة لعب “ثمينة” للدولة التركية،واستطاعة بذكاء أن تجعلها محل اعتبار بالنسبة للدول الأوروبية والنظر في أزمة اللاجئين ،والشراكة الحقيقية في إنهاء الحرب الدائرة في سوريا، فتركيا تعلم جيداً ،أن أوروبا مجتمعه تؤرقها الهجرة إليها، ولا تستطيع منعها ولكن كل ما عليها فعله هو اتخاذ بعض الوسائل للحد منها وفقط.

ومن خلال هذه الورقة وغيرها يطالب “أردوغان” الإتحاد الأوربي بدعم اللاجئين وتحمل أعباء البعض منهم باستضافتهم في دول الاتحاد وأخيرا الموافقة على رفع التأشيره عن رعايا بلاده لدخول دول الاتحاد كأجراء سابق على خطوة الموافقة على انضمام بلاده لدول الاتحاد الأوروبي ، وأراى أن هذه الأخيره ما هي إلا مجرد لعبة سياسية ومراوغة منه ليس إلا.

خشية التقارب مع روسيا ومنظمة شينغهاي

تعتبر روسيا والصين هما المعسكر المقابل لأوروبا ومن ثم المحافظة على تركيا داخل منظومة حلف شما لاطلسي “الناتو” حتى ولو على مضضّ فبات هذا الأمرا ملحاً وضرورياً في ظل تصارع القوى العظمى الحالي.

وعقب الأزمة التركية مع هولاندا مباشرة،ألمحت الصين على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية “هوا تشون ينغ” يوم الاثنين 13آذار/ مارس الجاري ، في موجزها الصحفي، بالعاصمة بكين، إلى إمكانية تعزيز علاقاتها مع تركيا في إطار منظمة “شنغهاي” للتعاون، مشيرة إلى أن تركيا بلد يمتلك ثقلاً كبيرًا في منطقتها.

الاقتصاد والتجارة المتبادلة

اما عن الإقتصاد والتجارة،فإن دول أوروبا لها رصيد تجاري لا يُستهان به على تركيا،فلذا أعتبرتها في الوقت الحالي ورقة قوى بيد “الجانب الغربي” ومن المعلوم أن التبادل التجاري بين الجانبين على ذُروته وأن حجم الإستثمرات الهولاندية فقط وكما أكدها خبراء الإقتصاد “وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 6.1 مليار دولار في العام2015، صدرت تركيا إلى هولندا في ذلك العام سلع بما يقدر بنحو 3.2 مليار دولار واستوردت منها 2.9 مليار دولار”

واستبعد الكاتب “مناف قمان” المتخصص في الإقتصاد على موقع نون بوست فرض عقوبات اقتصادية بين البلدين وقال في مقاله:” لا تعد العلاقات الاقتصادية ركيزة أساسية بين البلدين ليصاب أي من اقتصاديهما بأزمة أو تأثير سلبي كبير في حال فرض عقوبات ضد بعضهما البعض كما حصل في الأزمة بين روسيا وتركيا، فالأشياء التي يعتمد كل منهما على الآخر تعد ثانوية ومتوفرة في بلدان أخرى وبأسعار مقاربة أو منافسة، ومن جهة أخرى فإن الميزان التجاري بين البلدين متوزان نوعًا ما ولا يشكل أداة ضغط على الآخر كما في حالة روسيا وتركيا – ولهذا السبب فإنه من المستبعد أن يقوم أي من تركيا أو هولندا بفرض عقوبات اقتصادية على الآخر.

وأشار “مناف” إلى أن الاقتصاد التركي لا يتحمل أي عقوبات اقتصادية الآن بسبب الظروف التي يمر فيها، لذا سيكون فرض عقوبات اقتصادية على هولندا بمثابة عقوبة للاقتصاد التركي نفسه، وهو تأكيد آخر على إمكانية عدم اتخاذ هكذا إجراءات من قبل الإدارة التركية.

فتركيا منذ فترة تبحث عن ايجاد روافد اقتصادية أخرى كبدائل، تتمثل في التنمية الداخلية ،وتوسيع السوق الخارجي.

عضوية حلف شمال الاطلسي (الناتو)

هذه النقطة تمثل ورقة ضغط متبادلة للجانبين، فمن جانب كونها ورقة ضغط لتركيا،فإن الأخيرة ستطاعت أن تحتل مكانة متقدمة داخل هذا الحلف (حلف شمال الاطلسي “الناتو” ) إذ تعتبر القوة العسكرية الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية في أقوى تحالف عسكري في العالم والإستغناء عنها وخسارتها كحليف استرتيجيى في الوقت الحالي ،مع تصاعد التوترات بين القوى العظمى،اظن أن له مردود “سلبي” على التحالف ككل في مواجهت روسيا والصين.

وأما كون”عضوية الحلف”ورقة ضغط لأوروبا فإن الحف لثقلة العسكري ،يمكن تركيا أيضاً من مواجهت الأخطار هي الأخرى،فالمصلحة بين الجانبين أصبحت متلازمة إلا إذا أوجد الأخر بديلا عن هذا التلازم ،وكان في دوام هذا الإقتران أو التلازم،مفسدة أكبر.

أدوات ضغط أخري

وعلى مدى زمن ليس بالطويل من العلاقات التركية مع دول الإتحاد الأوربي، استطاعت تركيا أن تخلق لنفسها تواجد بين تلك الدول،في شتى المجالات،حتى صار بينهما علاقات وطيدة ومصالح مشتركة من الصعب الإنفكاك عنها بكل سهولة، لقد عمدت تركيا على هذه التوأمة ،خلال الفترة الزمنة الماضي،بصنع روابط قوية داخل هذه المجتمعات تبلورت في صيغة اتفاقيات بين الجانبين.

ومن بين تلك الروابط عقدت تركيا عدة اتفاقيات سياسية واستخباراتية ،مع هولاندا كبقية دول الاتحاد التي قد تخولها الان بفرض عقوبات عليها،بتوقيف هذه الاتفاقيات، هذا وقد أعلنت عنه بعض الصحف المحلية التركية في أن الحكومة التركية تنوي فرض حزمة من العقوبات السياسية على الحكومة الهولندية ومن بين تلك العقوبات التي أشارت إليها صحيفة “ملييت” التركية؛ قطع العلاقات الاستخباراتية بين البلدين والتي توصف بأنها قوية للغاية، وتعليق زايارات القادة العسكريين إلى القاعدة العسكرية في “أضنة” وكذلك إغلاق الأجواء التركية أمام كافة الطائرات العسكرية وطائرات الـ”في ي بي”.

وأخيراً أرى انه سوف يتم استثمار الحدث لاكتساب شعبية ،سواء في الداخل أو الخارج لمواجهة التحديات الحالية المتمثلة في محاولة اضعاف وإعاقة تركيا وتهميشها عن المشاركة في المعادلة السياسية الجارية في المنطقة وايضا حتى لا تكون عقبة في طريقة خطة التقسيم والتبعية.

ستتعامل أوربا مع الحدث بواقع من المصالح المشتركه مع تركيا ولن تقدم مساندة حقيقية لهولاندا، وكل ما عليها محاولته لرأب الصدع هو تلطيف الاجواء من جانبها، وهذا ماورد على لسان الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند الثلاثاء بتصريحاته حول الأزمة المتفاقة بين تركيا وهولاندا “إن بلاده بحاجة إلى أوروبا وتركيا، وينبغي تشجيع الحوار في هذا الخصوص”.

ولفت دومينيك طوماس، الباحث في جامعة لوس أنجلوس في كاليفورنيا، قسم الدراسات الفرنسية، حسب ما ورد في موقع CNN إلى تباين في المواقف الأوروبية إذ قال: “الأمر اللافت للنظر هو أن فرنسا سمحت لوزير الخارجية التركي بالتحدث أمام الأتراك على أراضيها في تجمع حصل شرق فرنسا قبل أيام، وهذا يوضح أن الموقف الأوروبي ليس موحدا باستثناء إدانة استخدام تركيا لأوصاف مثل النازية والفاشية.”

وأزعم أن هولاندا ستتعامل مع الحدث بصورة منفردة،وإضافة على ذلك، ستضغط بعض الدول الأوروبية بتخفيف حدة التصعيد من ناحيتها، ويبقى كل ما عليها في هذه الفترة ، الشجب والإستنكار،ولن تستطيع خسارة تركيا في الوقت الرهن لضعف موقفها في الأزمة الحالية، وستلتزم الحيطة والحذر،الى حين تهيئة السياسة الدخلية بعد الإنتخابات التي جرت وتشكيل حكومة أئتلافية.

أما أوروبا فسوف تستمر في التعامل مع تركيا “بإزدواجية” داعمه في ذلك لكل ما يهدد أمن واستقرار تركيا.

الكاتب : محمد عويس
مهتم بالشأن التركي

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.