عثر المهندسون المشرفون على تشييد مشروع مترو الأنفاق في منطقة بشيكتاش بمدينة إسطنبول، على مقبرة للأتراك القدماء، يرجع تاريخ إنشائها لنحو 3 آلاف و500 عام، ما سيدفع المؤرخين حول العالم لإعادة صياغة وجود الأتراك في المنطقة.
ووفقا لنتائج الحفريات الأثرية، فإن طريقة بناء المقبرة التاريخية التي عثر عليها أثناء أعمال الحفر في بشيكتاش، تسمى “قورغان”، وهي الطريقة التي كانت سائدة في سهوب وسط آسيا (تركستان) لدى الشعوب والثقافات التركية القديمة قبل الإسلام.
وأشارت نتائج الحفريات إلى أن خبراء الآثار اكتشفوا حتى الآن 35 قبرًا يرجع تاريخها إلى نحو 3 آلاف و500 سنة خلت، لتكون المقبرة المكتشفة أقدم مقبرة في تاريخ إسطنبول.
وقال الصحفي التركي في جريدة “حرّييت” المحلية، عمر أربيل، إن هذا الاكتشاف من شأنه تغيير المعلومات التاريخية التقليدية التي تشير إلى أن دخول الأتراك إلى منطقة الأناضول بدأ في العهد السلجوقي بعد معركة ملاذكرد عام 1071 للميلاد، وأن أول دخولٍ لهم إلى إسطنبول كان مع فتح العثمانيين لمدينة القسطنطينية عاصمة بيزنطة عام 1453.
وقالت مديرة المتاحف الوطنية في إسطنبول زينب قزلتان، خلال زيارتها لموقع الحفريات، إن هذا الاكتشاف أثار حماسة المتخصصين والمؤرخين والأوساط العلمية حول العالم، نظرًا لأهميته في إعادة كتابة تاريخ الوجود التركي في الجزء الأوروبي من إسطنبول.
وأضافت قزلتان أن هذه المقبرة التي بنيت وفق التقاليد التركية القديمة، ترجع لنحو 3 آلاف و500 عام، وهي بذلك أقدم مقبرة تم اكتشافها في إسطنبول، التي احتضنت أرضها حضارات متعددة، مشيرة إلى أن المثير في المقبرة ليس شكل بنائها وفق التقاليد التركية القديمة وحسب، بل طريقة دفن الموتى أيضًا، المطابقة لعادات الدفن عند الأتراك القدماء.
ونوهت إلى أن الطريقة المستخدمة في الدفن بالمقبرة المكتشفة، تتطابق مع الطريقة التي كانت تستخدمها القبائل التركية مثل الهون والكوك تورك والأوغوز (التركمان) والقبجاق في سهوب آسيا الوسطى (تركستان)، خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد.
ولفتت قزلتان إلى أن نتائج التحاليل الأنثروبولوجية التي ستجرى على الهياكل العظمية المكتشفة في المقبرة، سوف تُظهر أصول السكان الأقدم لمدينة إسطنبول.
من جهته، قال عضو الهيئة التدريسية في قسم التاريخ بجامعة أتاتورك، البروفسور “ألب أصلان جيلان”، إن هذا الاكتشاف سوف يدفع المؤرخين باتجاه تغيير المعلومات التاريخية التقليدية المتعلقة باستقرار الأتراك في المنطقة.
وأضاف جيلان لمحطة “سي أن أن تورك” التلفزيونية، أن المعلومات التاريخية التقليدية تشير إلى أن أول دخول للأتراك إلى منطقة الأناضول بدأ في العهد السلجوقي بعد معركة ملاذكرد عام 1071 للميلاد، وأن أول دخولٍ لهم إلى إسطنبول كان في عهد السلطان العثماني محمد الفاتح الذي تمكن من فتح مدينة القسطنطينية عاصمة بيزنطة عام 1453.
وكشف جيلان أن علماء الأثار عثروا في مناطق مختلفة في الأناضول، لا سيما في مناطق شمال شرق وجنوب شرق تركيا، على نقوش كتب عليها بالأحرف التركية الأورخونية.
ونوه جيلان إلى أن نتائج الدراسات التي أجراها علماء الآثار على الاكتشافات التي توصلوا إليها في ولايات هكّاري وقارص وأردهان وغيرها من المناطق، أظهرت أن وجود العنصر التركي في المنطقة يرجع إلى ما قبل مرحلة فتوحات الأتراك المسلمين.
وأشار جيلان إلى أن علماء الآثار كانوا قد عثروا قبل سنوات على قبور من نوع “قورغان” في قضاء “قاغیزمان” بولاية قارص شرقي تركيا، إضافة إلى نقوش كتبت باللغة التركية وبالأبجدية الأورخونية وتضمنت أدعية وابتهالات.
والجدير بالذكر، أن قبور “قورغان”، كانت تعتبر قبورًا مقدسة وفق ثقافة الأتراك قبل الإسلام، وقد جرى تشييدها للملوك والشخصيات المهمة وفق التقاليد التركية القديمة في مرحلة ما قبل الإسلام.
وتأخذ قبور “قروغان” شكلًا دائريًا، وتبنى تحت الأرض بواسطة الحجارة، فيما يتم بناء منطقة اللحد بواسطة جذوع الخشب، ويوضع الميت مع خيوله وأدواته الخاصة باتجاه الشرق.
وتنتشر بقايا هذا النوع من القبور في جمهوريات آسيا الوسطى التركية، وخصوصًا كازاخستان وأوزبكستان إضافة إلى إقليم تركستان الشرقية في الصين، وعادة ما تضم تلك القبور نقوشًا تركية مكتوبة بالأحرف الأورخونية.
والأحرف الأورخونية هي أبجدية تركية، استخدمتها عدة إمبراطوريات تركية في كتابة اللغة التركية، وشكل عهد إمبراطورية الكوك تورك (ما بين 552 و745 ميلادية) مرحلة الذروة بالنسبة لاستخدام تلك الأبجدية.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=30838