الأتراك والشاي.. قصة عشق لا ينتهي

Amani Kellawi24 ديسمبر 2018آخر تحديث : الإثنين 24 ديسمبر 2018 - 10:02 مساءً
الأتراك والشاي.. قصة عشق لا ينتهي

ماذا سيحدث لك إذا أدمنت شرابًا كحوليًا ما ثم فجأة انقطع عنك؟ الأمر بسيط. أنت ستفعل أي شيء كي تحصل عليه ومن الممكن أن ترتكب الكثير من المشاكل نتيجة حرمانك من هذا الإدمان. لكن الجيد في الأمر هو أن مثل هذا النوع من الإدمان يمكن الشفاء منه مع بعض الصبر والإرادة.

المشروبات الكحولية هي نوع من الإدمان الذي يهيمن على الدماغ مباشرة، لكنّ هناك أنواعًا أخرى من الإدمان الذي يسيطر على القلوب والعقول معًا، فيصبح الإدمان هنا عشقًا لا يمكن الشفاء منه. هذا الأمر ينطبق على الشاي بالنسبة للشعب التركي.

قد تظن أن مثل هذه الأمور موجودة بشكل أو بآخر بنفس الدرجة مع شعوب أخرى، وأن عشق الشاي موجود في العديد من الدول الأخرى، ومنها دول عربية مثل موريتانيا. لكن إذا لم يصدف وأن تعاملت مع الأتراك فلن يمكنك استيعاب ما يمثله الشاي لهذا الشعب.

إحدى شركات إنتاج الشاي في تركيا قامت بمقلب دعائي لطيف: نوع من أنواع الكاميرا الخفية حيث جرت عملية تمثيل في أحد المطاعم في تركيا، وكعادة الأتراك فهم يطلبون وجود الشاي خلال تناول الطعام وليس بعده – إلا في بعض الحالات القليلة – بصورة تلقائية. إلا أن نادل المطعم يفاجئهم بهذه العبارة الصادمة «لا يوجد عندنا شاي يا سيدي».

ماذا تتوقع أن يكون رد فعل الزبائن؟ الفيديو التالي سيوضح لك كيف كانت ردة الفعل وإلى أي حد كانت عنيفة، حتى من الجنس اللطيف الذي لا يمكنه أن يصدق أن هناك مطعمًا لا يوجد به شاي «عليكم أن تكتبوا لافتة كبيرة عند المدخل أنكم تقدمون الطعام بدون شاي»، هكذا رد البعض.

البعض كان مهذبًا وطلب حضور المدير أو أي مسؤول للمطعم، وإحدى السيدات قالت بالحرف بلهجة تحمل الوعيد وقرب نفاد الصبر «بعد قليل سأقوم بكسر رأسك». رد الفعل الجميل كان مدى سعادة الزبائن عندما فاجأهم المطعم بوصول الشاي ووضعه على الطاولة.

لذلك، وقبل أن تأتي إلى إسطنبول أو أي مدينة تركية أخرى، يجب أن تعلم هذا الشيء عن الأتراك بشكل واضح جدًا؛ هم يحبون الشاي لدرجة لا تصدق. الحب قد لا تكون حتى كلمة قوية بما فيه الكفاية، فحياتهم تستهلك كليًا من خلال شرب الشاي. ليس هناك وجه من أوجه الحياة التركية التي لا يمثل فيها شرب الشاي سلوكًا مقبولًا.

وفي حين أن تركيا هي بلد مشهور جدًا بالقهوة، حتى إن هناك نوعًا من القهوة يسمى القهوة التركية بسبب خصائصها وطريقة تحضيرها، إلا أن الشاي هو الشراب الشعبي والرسمي بالنسبة للأتراك على نطاق واسع. وقبل أن تحدثني عن إنجلترا أو الصين وقصصهم مع الشاي، يكفي أن تعرف أن الأتراك هم الآن المستهلك رقم واحد للشاي في العالم بالنسبة لكمية استهلاك الفرد السنوية، المواطن التركي تجاوز بشكل واضح كلًّا من الإنجليزي والصينيين في معدلات استهلاك الشاي بالفعل.

إذا تمكنت من العيش بين الأتراك بضعة أسابيع لا أكثر، فستشاهد هذه الحقيقة بعينك بالفعل، وخلال أيام قليلة سيزول منك الاندهاش، وربما تصبح أنت أيضًا أحد محبي الشاي التركي. استهلاك الشاي في تركيا كبير لدرجة أن متوسط استهلاك الفرد له يبلغ حوالي 7.54 كيلوجرامات سنويًا. وللعلم فإن الدولة الثانية في هذه القائمة هي المغرب لكن بمعدل 4.34 كيلوجرامات لكل فرد فقط لا غير، بينما تأتي أيرلندا في المركز الثالث (3.22 كيلوجرامات) ثم موريتانيا (3.21) والمملكة المتحدة (2.74).

قصة التحول من القهوة إلى الشاي

ومع كل هذا الاستهلاك الكبير للشاي، فقد تظن أن هذا الأمر ناجم عن تقليد عثماني متراكم ومتأصل على مدى طويل. لكن الحقيقة أكثر غرابة من هذا. من المعروف في التراث العثماني أن القهوة كانت هي ما يميز العثمانيين القدماء، أو أحفاد الشعب التركي الحالي. لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن القهوة في زمن العثمانيين كانت هي المتسيدة مع كميات استهلاك تكاد تكون منعدمة للشاي.

الحقيقة أن انتشار استهلاك الشاي لم يأت إلا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وذلك عندما شجع زعيم الجمهورية التركية الجديد مصطفى كمال أتاتورك شعبه للتحول من القهوة إلى الشاي. ويعود السبب الرئيسي وراء هذا التحول إلى أنه خلال فترة الإمبراطورية العثمانية كانت اليمن، وعلى وجه التحديد مدينة المخا، هي المنتج الرئيسي للبن عبر الإمبراطورية، والذي كان يجري نقله بسهولة في تلك الأوقات.

ولكن بمجرد أن سقطت الإمبراطورية، أصبحت القهوة أكثر تكلفة لاستيرادها. كان الحل واضحًا، يمكن أن يزرع الشاي بسهولة داخل تركيا، ومن هنا نشأت عملية الإدمان المحلي عليه بدلًا من القهوة، رغم أن الأخيرة عادت إلى الواجهة لكن في المرتبة الثانية حاليًا. وكانت منطقة شرق البحر الأسود، وتحديدًا المناطق المحيطة بمدينة ريزا هي المناسبة لزراعة الشاي؛ التربة خصبة، وهطول الأمطار المستمر وطبيعة المناخ كلها مثالية للإنتاج. اليوم هذه المنطقة هي سادس أكبر منتج للشاي في العالم كله.

ما هو الشاي التركي؟

الشاي التركي هو نوع من أنواع الشاي الأسود الذي لابد من تحضيره بطريقة معينة ومميزة جدًا. يستخدم في إعداد هذا الشاي وعاء الشاي المزدوج المكون من وعاءين علوي وسفلي. يتم ملء الجزء السفلي من الوعاء المزدوج بالماء وهو الجزء الذي يلامس اللهب بشكل مباشر ليغلي. وفي الوقت نفسه يجري تعبئة الجزء العلوي للوعاء المزدوج بأوراق الشاي الجاف، وعادة واحدة ملعقة صغيرة لكل شارب. عندما يصل الماء في الجزء السفلي لدرجة الغليان يتم نقل كمية منه إلى الوعاء العلوي، ثم يترك الوعاء المزدوج كما هو باستمرار الغليان على اللهب لمدة 15 دقيقة. الحرارة الناجمة من غليان الجزء السفلي تجعل المياه الساخنة في الجزء العلوي تستمر في درجة حرارة مرتفعة. وبشكل عام لا تترك عملية الغليان تستمر لمدة أكثر من 30 دقيقة بعدها لتجنب مرارة الطعم.

هنا أصبح الشاي جاهزًا للتقديم، إذ يجري تقديمه في أكواب زجاجية صغيرة تشبه ورد التوليب. والغرض من هذه الأكواب الصغيرة الشفافة هو أن نعجب بدرجة لون الشاي المميزة، وذلك على عكس الشاي الإنجليزي مثلًا الذي يقدم في فناجين معتمة وليس بأكواب شفافة.

تقديم الشاي يتم عبر صب كمية من الوعاء العلوي (من ربع إلى نصف الكوب) ثم إكمال الكوب بالماء الساخن من الوعاء السفلي. عمومًا يقدم الشاي مع واحد أو اثنين من مكعبات السكر. وكما ذكرنا سابقًا، فليس هناك مكان أو وقت سيء لشرب الشاي في تركيا.

إذا سافرت إلى تركيا، فلا تندهش عندما تسمع هذه الجملة دائمًا «Çay içer Misin» أو «هل تود شرب شاي» كل 5 دقائق، حتى وإن كنت قد شربت كوبًا من الشاي منذ أقل من 10 دقائق ماضية. وإذا حللت ضيفًا على أحد البيوت التركية، بعد تناول الطعام لابد من تقديم الشاي لك ولكافة الحضور.

الشاي في الحياة اليومية

شرب الشاي في تركيا هو جزء قوي من النسيج الاجتماعي. إذا جاء زائر إلى المنزل فسيتم إغراقه بالشاي. إذا كان العميل يبحث عن عملية شراء، فإن صاحب المتجر سيقدم لهم كوبًا من الشاي للمساعدة في إجراء العملية. عندما تأتي إلى إسطنبول فإنه من المؤكد تقريبًا أن يقدم لك الشاي لحظة تسجيل الوصول إلى الفندق الخاص بك.

هناك يجري تقديم الشاي مع وجبة الإفطار، وبعد الغداء، وبعد العشاء، بالإضافة إلى كل استراحة أو وجبة خفيفة تتناولها في اليوم. من المشاهد المألوفة في تركيا هو بائع الشاي الذي يحمل صينية مميزة وسط الشارع المزدحم وفوقها الكثير من أكواب الشاي الصغيرة. هؤلاء يتواجدون دائمًا في المناطق التجارية وبين المحال الكثيرة، لكنك ستجدهم أيضًا في أماكن أخرى مثل الحدائق أو الشواطئ.

هنا عليك الانتباه لعادة غريبة، إذا أنهيت شرب الشاي ووضعت الملعقة الصغيرة التي تقدم مع الكوب بجواره في الصحن الصغير، فستجد أن المضيف أخذ الكوب وأحضر لك آخر مليئًا، لأن هذه علامة على أنك لا تزال ترغب في المزيد. أما إذا أردت أن تخبر المضيف بأنك انتهيت ولا تريد المزيد، فقم بوضع الملعقة فوق الكوب.

من بين الأنشطة الاجتماعية المشهورة للناس في تركيا، صغارًا وكبارًا، هو الجلوس في حدائق الشاي حيث تبدأ الحكايات والقيل والقال. يمكن أن يتزامن هذا الجلوس مع شرب النرجيلة أو لعب الطاولة أو الطرنيب. عندما تجول في شوارع إسطنبول سوف تشاهد أيضًا بالتأكيد منزل الشاي، وهي تلك المحال المخصصة لجلوس الرجال فقط من جميع الأعمار دون النساء وهم يلعبون الطاولة ويتبادلون أطراف الحديث في السياسة والرياضة وغيرها من الأمور التي تشغل بالهم، كما لو أنها منتديات صغيرة.

وعادة ما لا يسمح للنساء بالدخول إلى هذه المحال، لكن من الممكن قبول الأمر نسبيًا إذا ما كنت شخصًا أجنبيًا. الغرض الآخر من هذه البيوت أو المحال هو توفير بعض المساعدة للناس من حرارة الصيف، فهي أماكن شعبية جدًا للذهاب والجلوس بها كل يوم عندما تكون درجات الحرارة عالية خصوصًا لو أن المكيفات لا تتواجد في بعض المنازل.

إذا أردت أن تجرب الشاي بشكل مميز، جرب تناوله مع بعض الأطعمة والحلوى التركية الرائعة مثل البوريك والبقلاوة، ونصيحة لك هنا، حاول ألا تجعل كوب الشاي محلى بالسكر كثيرًا، خصوصًا لو كنت تتناوله مع حلوى، فالكثير من السكر في الشاي التركي سيفقدك الكثير من نكهته وطعمه الرائع.

المصدر: ساسة بوست

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.