الانتخابات التركية القادمة أعقد مما تبدو بكثير

Osman28 أبريل 2018آخر تحديث : الأحد 13 مايو 2018 - 12:25 مساءً
الانتخابات التركية القادمة أعقد مما تبدو بكثير

تتفرد تركيا باهتمام عربي منقطع النظير بمشهدها الداخلي وسياستها الخارجية ومحطاتها الانتخابية لأسباب عدة، من ضمنها الانخراط التركي في العالم العربي ومواقف أنقرة وسياساتها منذ 2011 وحالة الاستقطاب في العالم العربي التي دخلتها أنقرة على غير رغبة منها والوجود العربي الواسع على أراضيها.

ومنذ أن أعلن الرئيس التركي تبكير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حتى الرابع والعشرين من يونيو/حزيران 2018، ازداد مستوى الاهتمام العربي بالانتخابات وكثرت التحليلات والتوقعات. فيما يلي بعض المقدمات والسياقات التي أراها مهمة لكل من يتابع الانتخابات التركية ويحاول فهم مسارها ودينامياتها، وبالتالي توقع نتائجها:

أولًا: انتخابات مختلفة وحساسة. تختلف هذه الانتخابات عن كل سابقاتها، على الأقل منذ تسلم “العدالة والتنمية” السلطة بتركيا في 2002، من حيث إنها أول انتخابات تجرى بعد إقرار النظام الرئاسي، ومن حيث إنها رئاسية وبرلمانية متزامنة، بما يجعل إمكانية التعديل أو الاستدراك بينهما مستحيلة.

إقرار النظام الرئاسي وبدء تطبيقه بعد هذه الانتخابات يعني أن الانتخابات الرئاسية اليوم تختلف عن سابقاتها بعد ازدياد أهمية مؤسسة الرئاسة في المعادلة الداخلية، وتراجع أهمية الانتخابات البرلمانية نسبياً في المقابل، وهو ما يعني بشكلٍ مباشرٍ أن أي مقارنة مع المنافسات السابقة لن يكون دقيقًا.

ثانيًا: فوضى الأحزاب التركية. مع استمرار تطبيق “العتبة الانتخابية” التي تشترط حصول أي حزب على نسبة 10% لدخول البرلمان، استقرت الحالة الحزبية بتركيا في السنوات الأخيرة على 4 أحزاب رئيسة ممثلة في البرلمان. “العدالة والتنمية” ممثلًا لمعظم المحافظين، “الشعب الجمهوري” ممثلًا لمعظم العلمانيين، “الحركة القومية” ممثلًا لمعظم القوميين الأتراك، و”الشعوب الديمقراطي” ممثلًا لمعظم القوميين الأكراد.

لكنَّ تغيرات كبيرة طرأت على هذه الأحزاب في الشهور الأخيرة، ستترك في الغالب بصمتها وتأثيرها على نتائج الانتخابات. فـ”الحركة القومية” واجه أزمات داخلية متعاقبة وانشق عنه عدد من قيادات الصف الأول بقيادة “أكشنار” مؤسسين “الحزب الجيد”. وحزب الشعوب الديمقراطي خسر الكثير من حاضنته الشعبية بعد فشله في ترك مسافة واضحة بينه وبين حزب العمال الكردستاني ثم التحقيقات مع بعض قياداته التي أدت إلى سجن عدد منهم، في مقدمتهم رئيس الحزب، صلاح الدين دميرطاش. في المقابل، فإنه من الممكن للأحزاب الصغيرة اليوم أن تشكل تحالفًا انتخابيًا وفق قانون سُنَّ مؤخرًا لتشارك في الانتخابات معاً وتدخل البرلمان إن حصل التحالف على أكثر من 10%، وفي مقدمة المرشحين لذلك حزبا “السعادة” و”الجيد”.

تعني هذه التطورات أن إمكانية الجزم بشكل البرلمان القادم وخريطته الحزبية، والذي كان دائمًا ممكنًا مع هامش معين من الخطأ، لم يعد سهلًا أو دقيقًا إن افترضنا أنه ممكن، على الأقل ليس قبل اتضاح المشهد الانتخابي وتحالفاته وقوائمه.

ثالثًا: الناخب سيد نفسه. رغم كل ما يقال عن الحالة السياسية والديمقراطية في تركيا، ما زال الناخب التركي سيد نفسه وهو من يحدد نتيجة الانتخابات، ويغير المعادلة أحيانًا بطريقة مفاجئة. حدث ذلك مثلًا في انتخابات، يونيو/حزيران 2015، البرلمانية التي أفقدت “العدالة والتنمية” أغلبيته البرلمانية وإمكانية تشكيل الحكومة بمفرده، والتي لم يكسبها الحزب في انتخابات الإعادة إلا بعد أن قدم خطابًا واضحًا بتسلمه رسالة الناخب والعمل على أساسها في البرنامج والخطاب والمرشحين، وهو ما كان.

ثمة أربعة عوامل تُضاعف من أهمية ذلك: صعوبة الجزم بكيفية تقييم الناخب لتبكير الانتخابات، اختلاف هذه الانتخابات عن سابقاتها وكيفية انعكاس ذلك على قرار الناخب، مئات آلاف (أحيانًا ملايين) الشباب الذين يقترعون لأول مرة في كل استحقاق انتخابي، ونسبة المترددين الذين يتخذون قرارهم النهائي في الساعات والأيام الأخيرة للانتخابات والذين نسبتهم عادة 10-15% في كل انتخابات.

رابعًا: شركات استطلاع الرأي. أثبتت شركات استطلاع الرأي التركية مرة إثر أخرى أنها بعيدة عن القدرة على توقع النتائج الدقيقة للانتخابات. فبعض هذه الشركات مسيَّس، وكثير منها حديث ومفتقد للخبرة الكافية، وأغلبها غير مهني أو مفتقد للأدوات اللازمة لهذا العمل، وبالتالي من الصعب القول إنها مهنية وقادرة على التوقع.

صحيح أن نتائج بعض المحطات الانتخابية تأتي قريبة جدًا من توقعات بعض الشركات، إلا أن ذلك أقرب لتوافق/تصادف النتيجة مع الاستطلاع وليس توقع الاستطلاع للنتيجة، بدليل أن الشركة التي “عَرَفت” (تجاوزًا) نتيجة أحد الانتخابات ستكون قد فشلت فشلًا ذريعًا في الذي قبله، والعكس بالعكس.

كمثال، فشركة (A&G) التي توصف عادة بأنها “الشركة التي تعرف نتيجة الانتخابات” كانت قد توقعت أن تكون نتيجة الموافقة على استفتاء 2017 بنسبة 60% (النتيجة كانت 51.4%(. بينما شركة “كوندا” التي توقعت نتيجة الاستفتاء بشكل شبه دقيق (%51.5) كانت قد توقعت لحزب العدالة والتنمية أن يحصل في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، على نسبة 40% (حصل على 49.5%). هذا في ظل النظام السياسي السابق والمستقر، فكيف بعد تغيير النظام السياسي في البلاد؟

خامسًا وأخيرًا: الانتخابات ليست عملية حسابية. الانتخابات عملية معقدة جدًا في كل البلاد، وهي في تركيا أكثر تعقيدًا، حيث تؤثر عوامل عدة في قرار الناخب، منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والجغرافي والعرقي والمذهبي والحزبي والشخصي، إضافة طبعًا لبرامج الأحزاب وأسماء المرشحين ووسائل الإعلام.

ولذلك، فالأمر أبعد ما يكون عن النتائج الحسابية المباشرة. بمعنى، كون “العدالة والتنمية” يملك 49.5% و”الحركة القومية” 11.9% من البرلمان الحالي وفق انتخابات 2015 لا يعني أن “تحالف الشعب” بينهما سيحصل تلقائيًّا على نحو 60%. فجزء من كتلة الحزب الحاكم التصويتية صوتت مثلًا ضد استفتاء النظام الرئاسي، بينما حصلت انشقاقات في “الحركة القومية” ولم تؤيد غالبية قواعده الشعبية الاستفتاء عكس رغبة وقرار قيادتها.

في المقابل، فإن تجمع أحزاب، السعادة (الإسلامي)، والشعب الجمهوري (العلماني)، والجيد (القومي)، فضلًا عن إمكانية ضم “الشعوب الديمقراطي” (القومي الكردي) على مرشح توافقي -كما يحاولون فعله- لا يعني أن هذا المرشح المفترض سيحصل بالضرورة على مجموع ناخبي هذه الأحزاب الثلاثة. إن الخريطة الأيديولوجية والفكرية والمجتمعية والسياسية في تركيا تفرض حقائقها على الجميع، وتقول بأن نسبة معتبرة من الكتلات التصويتية لهذه الأحزاب غير مقتنعة بهذا التحالف المفترض -إن حصل- وأنها بالتالي لن تصوت لذلك المرشح المفترض إن كان من غير تيارها الأيديولوجي أو السياسي.

حصل ذلك سابقًا مع المرشح التوافقي لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، أكمل الدين إحسان أوغلو، في انتخابات 2014 الرئاسية، كما أن تصريحات بعض قيادات “الشعب الجمهوري” بخصوص فكرة ترشيح الرئيس السابق، عبد الله غل، مثال جيد على ذلك، ولعل هذه الفكرة هي أهم العقبات التي تمنع غل حتى اللحظة من إعلان ترشيحه.

في المحصلة، فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقبلة مختلفة تمامًا عن سابقاتها ومعقدة جدًا؛ ولذا فمن الصعوبة بمكان الجزم بنتائجها ومآلاتها. صحيح أن أسماء المرشحين وشكل التحالفات سيجلّي الصورة نسبيًّا، وصحيح أن الرئيس “أردوغان” مرشح قوي، وفرصه في الفوز مرتفعة جدًا حتى في ظل مرشح قوي مثل “غل” -في حال ترشح- إلا أن ذلك لا يعني أن نتيجة الانتخابات واضحة أو مقطوع بها قبل إعلان اللجنة العليا للانتخابات عنها، منتصف ليل الـ24 من يونيو/حزيران 2018.

بقلم: د. سعيد الحاج / عربي بوست

كلمات دليلية
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.