على الرغم من الأمان في تركيا، إلا أن صور الحرب تطارد السوريين!!

Alaa11 مارس 2017آخر تحديث : السبت 11 مارس 2017 - 12:07 صباحًا
على الرغم من الأمان في تركيا، إلا أن صور الحرب تطارد السوريين!!

تدخل امرأة الفناء المشمس في بيت قديم في كيليس للترحيب بنا، مناديةً ابنها لتنظيف مجموعة من الكراسي البلاستيكية بخرقة، قبل أن نجلس عليها. اسمها لبنى، وخلال النصف ساعة المقبلة ستشارك أفكارها حول الحياة كلاجئة سورية مع عاملَين في الصحة النفسية المجتمعية، في حين يلعب طفلها الأصغر الغميضة خلفها.

يبدو الطفل فضولياً حول الغرباء الذين دخلوا لتوهم إلى منزله، لكن، قلقاً قليلاً في الوقت نفسه. إن العاملين في الصحة النفسية المجتمعية هم جزء من فريق مؤلف من عشرة أشخاص، يزورون السوريين في منازلهم، وفي الأماكن العامة كل يوم لتوفير الرعاية النفسية الاجتماعية الطارئة، وتحديد أولئك الذين يحتاجون إلى متابعة إضافية من قبل طواقم المعالجين النفسيين.
والعديد من المستفيدين وصلوا إلى تركيا منذ سنوات عديدة. وشعورهم الحاد بانعدام الأمن قد تقلّص، لكن رغم ذلك فما زالت هناك عوامل تؤثّر على صحتهم النفسية. أولاً، قربهم من سوريا، بالمعنيين الحرفي والمجازي على حد سواء.

وهنا في كيليس، على بعد بضعة كيلومترات فقط من الحدود، يمكن رؤية سوريا من الهضاب ويمكن أحياناً حتى سماع صوت القصف المدفعي الآتي من البعيد. والروابط العاطفية الباقية مع سوريا أمر أصعب أيضاً. فكل واحد هنا لديه عائلة أو أصدقاء داخل البلاد، بعض منهم لم يسمعوا عنهم منذ وقت طويل، وبعض آخر يروي لهم قصصاً مفجعة عن الحياة اليومية داخل بلد لا زال في خضم الحرب.

ثم تأتي تحديات الحياة في بلد غريب عنهم. فبات سكان كيليس اليوم يتألفون تقريباً من أعداد متساوية بين السوريين والأتراك، لكن بالنسبة إلى العديد من اللاجئين السوريين، يبقى التأقلم في بلد ليس موطنهم صراعاً. وكما تخبرنا لبنى ونحن نحتسي فنجان قهوة: “من الصعب أن تكون غريباً، من دون عمل، من دون منزل لك وعائلة حولك”. هي لا تنام جيداً. وبعد أن كانت امرأة اجتماعية كثيراً، باتت تتفادى التواصل مع الآخرين. تعيش مع أطفالها الأربعة وابنة حماها في منزل يحوي المقومات الأولية فقط. وحين تسطع الشمس يبدو الفناء جميلاً جداً لكن الغطاء البلاستيكي الموجود على النافذة يشير إلى حدّة الشتاء البارد الذي عانته العائلة. فظروف الحياة يمكن أن تزيد من التوتر أيضاً. والبيوت التي نزورها تختلف، فأحياناً تكون بيوتاً مريحة نسبياً وأحياناً أخرى تتمثّل بمواقف سيارات تحوّلت إلى مساحات سكنية. وفي ظل نور محدود ونقص الخصوصية، من غير المفاجئ أن تتأثر صحة اللاجئين النفسية.

دائماً ما أشعر بنوع من الانزعاج لدى دخولي إلى البيوت الخاصة لمرافقة العاملين في الصحة النفسية المجتمعية، لكني تفاجأت على نحو سار من عدم انزعاج الناس من وجود شخص غريب في منازلهم. وخلال الزيارات التي تتم في النهار غالباً ما نجد النساء والأطفال في المنزل، يتوقون إلى التحدث معنا ومشاركة تجربتهم. ويقدمون إلينا الشاي أو القهوة لمرات لا متناهية، ودائماً ما تبهرني ثقتهم السريعة بزملائنا (السوريين).

وبينما أخبرتني طفلة تبلغ من العمر عشرة أعوام أنها تحب معلمتها وتريد أن تصبح مدرّسة، بدأت والدتها بالبكاء صمتاً. وشرحت لي فاطمة أنها تعتبر التعليم أكثر الأدوات أهمية التي يجب إعطاؤها لأطفالها في المستقبل، لكن لديها قلقاً متواصلاً من الصعوبات المادية التي تجبرها على إخراج أطفالها من المدرسة وإرسالهم للعمل. هذا ما هو إلا مثال واحد عن تأثر الأطفال، حتى وإن كانوا بالكاد يتذكرون بلدهم الأم، في الحرب. وتذكر لبنى أن الألعاب التي يلعبها أطفالها تغيّرت مع الوقت، وباتت اليوم تتضمن المسدسات والطائرات الحربية، ما يعكس نظرة الأطفال للحياة اليومية.

وفي ما يحمل كل سوري في بلدته قصة محزنة، من المبهر أن نرى قدرتهم على التغلب على المشاكل. فحتى على الرغم من اعتقاد لبنى أنها لن تعود إلى سوريا، يبقى لديها أمل في المستقبل وامتنان لأن عائلتها بأمان ولأنهم وجدوا ملجأً لهم في تركيا. أما فاطمة، فتبتسم في الوقت الذي غادرنا فيه منزلها، وتشكر العاملين في الصحة النفسية المجتمعية للفرصة التي يقدمونها لها لمشاركة أفكارها ومخاوفها قائلة إنها تشعر بأن حملاً ثقيلاً قد أزيل عن صدرها.

كانت هذه شهادة كارولين ويللمن، الاستشارية التقنية في منظمة “أطباء بلا حدود” في مجال دعم الصحة النفسية للاجئين السوريين، وقد تم تغيير الأسماء لحماية سرية المستفيدين.

تدعم منظمة أطباء بلا حدود منظمة سيتيزينز أسمبلي، وهي منظمة تركية غير حكومية موجودة في كيليس منذ العام 2013. وإضافة إلى الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، تدير أيضاً عيادة تقدّم الرعاية الصحية الأولية للأشخاص الهاربين من سوريا.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.