قال بشير نافع في مقال له على موقع «ميدل إيست آي»: «إن الثورة السورية، التي بدأت بالدعوة إلى إجراء إصلاحات سياسية، سرعان ما تطورت إلى المطالبة بإسقاط النظام. لكن لم يفلح الحشد السلمي للمظاهرات، ولا استخدام العنف المسلح في إسقاط الرئيس بشار الأسد».
منذ عام 2011، تحولت الثورة السورية إلى حرب أهلية دموية وساحة للنزاع الإقليمي والدولي. وعلى الرغم من الدمار المادي الهائل، ومئات الآلاف من القتلى والملايين من اللاجئين، لا يزال الأسد يمثل سوريا في الساحة الدولية، ويدير شؤون ما تبقى من مؤسسات الدولة. وبدعم كبير من حلفائه الروس والإيرانيين، أحرز النظام تقدمًا مطردًا في حربه ضد الفصائل المسلحة للثورة السورية.
معارضة متشرذمة
بما أن الفشل يدفع دائمًا إلى البحث عن المتسببين فيه، فقد بدأت المناقشات حول أسباب فشل الثورة، وليس فقط في أوساط الثوار. تفترض إحدى وجهات النظر بأن المعارضة السورية، بشقيها العسكري والسياسي، مسؤولة بشكل أساسي.
لم تتمكن المعارضة السياسية من توحيد صفوفها أو إدخال قيادة كاريزمية يمكن للناس أن يحتشدوا حولها، وذلك لإقناع العالم بجديتها في تمثيل الثورة والشعب. وبالإضافة إلى الفجوة الهائلة التي تفصل بين الجناحين السياسي والعسكري للثورة، هناك العشرات من الفصائل العسكرية التي تختلف في الحجم.
وعندما أصبح من الضروري لقوات المعارضة المسلحة حماية وحدة الثورة، فقد امتنعت عن مواجهة تنظيمي «القاعدة والدولة الإسلامية» وفشلوا في طردهم من الساحة السورية. وقد بدا أن معظم هذه الجماعات المسلحة أكثر حرصًا على الحفاظ على كيان ورقي من الحفاظ على مصالح الشعب والثورة.
لم تكن المعارضة مؤهلة، في أي لحظة، لقيادة الشعب أو مواجهة التحديات التي يفرضها تحول سوريا إلى ساحة معركة. وحالما بدأ ميزان القوى يتحول لصالح النظام، لم تتمكن المعارضة من الصمود.
ديناميكية أكثر شمولًا للتغيير
رغم أن هذه الإدانة للمعارضة دقيقة إلى حد كبير، فإنها تنطوي على إدانة أخرى للشعب السوري. ففي نهاية المطاف، الشعب هو من دشن المعارضة. إن هذا المنطق يقود إلى الاستنتاج بأن الشعب السوري لم يكن مستعدًا لمواجهة نظام الأسد القمعي، وأن الطرف المنتصر مؤهل أكثر لقيادة سوريا.
بيد أن ما تغفله وجهة النظر هذه هو أن الثورة السورية لم تكن ظاهرة معزولة. إذ إنها برزت في سياق أوسع لديناميكية ثورية عربية من أجل التغيير. وسيكون من الخطأ قراءة ما حدث في سوريا بمعزل عن ذلك.
واليوم، بعد سبع سنوات من اندلاع الثورات في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، يمكن القول إن الهدف من تغيير النظام السياسي لم يفشل في سوريا وحدها، ولكن في كل واحدة من هذه الدول.
لقد حدث الفشل في دول لم تشهد ثورة مسلحة، ولم تشهد ظهور جماعات إرهابية مثل «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» و«القاعدة»، وكانت قوى المعارضة فيها أكثر نضجًا. وحتى عندما نجحت بعض الثورات في إسقاط الأنظمة، سرعان ما عادت النخب الحاكمة القديمة، وأطلقت حركات معادية للثورة واستعادت السلطة.
وقد تحول ميزان القوى بسرعة ضد الحركات الثورية العربية في كل هذه الدول. ولكن لم يحدث هذا الانعكاس بسبب سذاجة المعارضة أو عدم كفاءتها، بل بسبب بلورة ظروف قاهرة جديدة طغت على المعارضة والشعب.
الثورة المضادة
إن حقيقة أن حركة الثورة والتغيير كانت عربية، وليست سورية أو يمنية أو ليبية فقط، أدت إلى تعبئة مضادة عبر العالم العربي. فحالما أدركت قوى الثورة المضادة حجم وتأثير الديناميكية الثورية، تحركت لبناء ائتلاف واسع النطاق.
وبدون اتفاق مسبق حتى، تحركت الدول ذات النفوذ والموارد السياسية والعسكرية والمالية الهائلة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران لسحق حركة التغيير والتحول الديمقراطي. وقد اعتبر معسكر الثورة المضادة الثورات الديمقراطية تهديدًا لميزاته وصلاحياته ونفوذه في الشرق الأوسط، وبالتالي قرر شن الحرب في جميع أنحاء المنطقة.
علاوة على ذلك، لم تجد الحركة الثورية العربية حلفاء دوليين أقوياء لدعمها وحمايتها في لحظات التغيير الرئيسية. في عالم متشابك، لم ينجح أي تحول ديمقراطي بدون دعم خارجي. فبدون دعم سياسي واقتصادي من الولايات المتحدة وأوروبا، لم يكن لأي تغيير ديمقراطي أن يرسخ جذوره في إسبانيا والبرتغال في أعقاب انهيار الأنظمة الاستبدادية، ولا في أوروبا الشرقية في أعقاب انهيار الكتلة الشيوعية.
كان الدعم الغربي للثورات العربية وعملية التحول الديمقراطي بطيئًا ومترددًا. وسرعان ما تحول إلى لامبالاة، أو العودة إلى سياسة «الشيطان الذي نعرفه».
التخلي عن السلطة أو إشعال حرب
كان للحالة السورية وضع خاص. ففي جميع حالات التغيير السياسي خلال القرن الماضي، كان على الطبقات الحاكمة أن تختار عند مواجهة معارضة شعبية واسعة النطاق بين مسارين رئيسيين؛ إما التخلي عن السلطة أو شن حرب دموية ضد الشعب. اختار طغاة مثل شاه إيران، وزين العابدين بن علي، وحسني مبارك، وعلي عبد الله صالح التنازل عن السلطة، على الرغم من بعض التردد.
بيد أن طغاة آخرين مثل معمر القذافي والأسد اختاروا المواجهة. أُسقط القذافي بسبب تدخل أجنبي حاسم، في حين احتمى الأسد خلف شكل دموي من الطائفية. وبمجرد أن اكتشف عدم قدرته على تحقيق النصر ضد الثورة والشعب، استدعى على الفور الدعم الطائفي الإقليمي. وعندما فشل هو وحلفاؤه الإقليميون، لم يتردد في مناشدة الروس، حتى على حساب فقدان سيادته.
صحيح أن الثورة العربية فشلت في تحقيق أهدافها في التغيير والتحول الديمقراطي. ومع ذلك، فإن أسباب هذا الفشل أكبر بكثير من أوجه القصور في الحركة الشعبية وقوى المعارضة. وفي الوقت نفسه، يجب أن لا ننسى أن الفشل الحالي ليس نهاية الطريق. ففي مسار تاريخي معقد للغاية، لا يوجد شيء اسمه نهاية الطريق.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=52696