أنتجت ظروف اللجوء الصعبة مشكلاتٍ نفسية جديدة لدى الأطفال السوريين، ويلاحظ عاملون في السلك التربوي والإرشادي أن الأطفال الصغار في السن الذين لم يلتحقوا بالمدرسة بعد يعانون أزماتٍ سلوكية ونفسية، سببها الرئيس افتقادهم للاجتماع السليم مع أقرانهم وتشتّتهم الأسري، إضافةً إلى الضائقة المادية والمعاشية التي يمرّ بها الأهالي، وتنعكس على طرق معاملتهم لأطفالهم.
يعيش في مدينة غازي عنتاب التركية نحو 325 ألف مواطن سوري، يزاولون مهنًا مختلفة، إلا أن ظروفهم العائلية الاجتماعية والنفسية ليست مستقرة، في هذا المعنى أفادت دراسة اجتماعية صادرة عن (مركز حرمون للدراسات المعاصرة)، بعنوان: (اتجاهات المستقبل عند السوريين اللاجئين في غازي عنتاب) أن “العائلة هي سمة رئيسة للوجود السوري في غازي عنتاب، حيث أكدت الدراسة أن 90 بالمئة يعيشون مع عائلاتهم أو مع أسرهم، أما النسبة الباقية فقد توزعت مناصفة، بين من يعيشون بمفردهم أو مع أصدقاء، وجاء في توزع الحالة المعيشية أن 41 بالمئة يعيشون مع العائلة و49 بالمئة مع الأسرة، لكن ما يميز هذه الأسر والعائلات أيضًا هو عدم اكتمالها، فظروف الحرب خلقت نوعًا من التفكك القسري لبنية العائلة السورية خارج البلاد وحتى داخلها، ويصعب أن تجد عائلة سورية يوجد أفرادها جميعًا تحت سقف واحد، مثل ما كانت عليه الحال قبل الحرب، وتوصّلت الدراسة إلى أن أكثر من 74 بالمئة من مفردات العينة ما زال لهم أقارب من الدرجة الأولى في الداخل السوري، وعلى الرغم من أنه لا يمكن الجزم بأن الأقرباء البعيدين كلهم كانوا بالضرورة من سكان البيت الواحد قبل نشوب الثورة، إلا أن المؤشر يبقى دالًا على درجة كبيرة من التفكك القسري في العائلة السورية”.
حول المشكلات السلوكية والنفسية للأطفال ما قبل سن الدراسة، قالت دانيا عبد القادر مديرة روضة سورية في غازي عنتاب لـ (جيرون): “تتجاوز نسبة الأطفال المنتسبين إلى الروضة والذين يعانون من عزلة اجتماعية أو تأخر في النطق 5 بالمئة، وهي ناتجة عن عدم وجود جو اجتماعي طبيعي، ويعاني بعض الأطفال من الخوف والهلع، فيما تظهر عند قسم آخر ميولٌ للعنف، وبالمجمل فإن هذه النسب -على الرغم من ضآلتها- تعدّ غير طبيعية، وهي مؤشر على فقدان التوازن داخل الأسرة في المجتمعات المضيفة”.
وأضافت: “يُضطّر أولياء الأمور -ولا سيّما إذا كانت الأم تعمل في المنزل- إلى إعطاء أطفالها الأجهزة الإلكترونية في سن مبكرة (الأي باد والهاتف الذكي)، وهو ما يفاقم عزلة الطفل والأعراض النفسية غير الطبيعية، مؤكدةً أن “وضع الأطفال في مدينة غازي عنتاب جيّد، بالمقارنة مع الولايات الأخرى، لأن معظم الأهالي في هذه المدينة من مدينة حلب، لديهم أقارب، فيما من المرجّح أن تكون مشكلات الأطفال أكبر في الولايات الأخرى”.
السيدة هيفاء، م عاملة تترك ابنتها لفترة طويلة برفقة والدتها، قالت لـ (جيرون): “أترك ابنتي الوحيدة، وعمرها 4 أعوام، عند والدتي المُسنّة طوال ساعات العمل، وأعلم أنها تقضي معظم وقت غيابي عنها وهي تشاهد التلفاز، حاليًا أصبحت تتكلم باللغة العربية الفصحى، ولا تجيب على أسألتنا باللهجة بالعامية؛ ما يشي باندماج غير سليم مع الأفلام الكرتونية الناطقة بالفصحى وابتعادها عن النشاط الطبيعي، كالتفاعل مع أقرانها وبناء صداقات”.
بدورها اعتبرت المرشدة النفسية هناء محمد هذه الانتكاسات السلوكية، عند الأطفال السوريين اللاجئين، “طبيعية، تختفي مع تقدم الطفل في العمر”، إلا أنها نبّهت على ضرورة المتابعة وخلق جو اجتماعي جديد مع الأصدقاء والجيران وخاصة بالنسبة إلى الأطفال المدمنين على الأجهزة الإلكترونية، لأنها في حالات قليلة يمكن أن تتطور وتتحول إلى مشكلة دائمة، وبخاصة مشكلة النطق التي باتت واضحة في معظم دور الرعاية للأطفال السوريين في غازي عنتاب، وهي تؤدي بدورها إلى صعوبات في التعلّم مستقبلًا”.
وأضافت: “يوجد نسبة جيدة من النساء السوريات اللواتي أصبحن معيلات لأسرهن، في ظل غياب الزوج، هؤلاء لا يستطعن مراقبة أطفالهن، ولا يمتلكن متسعًا من الوقت والطاقة للاهتمام بهن، ويعانين ضغطًا نفسيًا مضافًا، هؤلاء غير مؤهلات للتربية والتنشئة”.
على الرغم من معقولية الظروف المعيشية والاجتماعية في تركيا، بالنسبة إلى السوريين بشكل عام، إلا أن عدم الاندماج مع المجتمع المضيف بالنسبة للأهل ومن ثمّ الأطفال يُشكّل عقبة، حيث أكدت الدراسة الصادرة عن (حرمون)، في نيسان/ أبريل الماضي، والتي عُنيت بقياس نسب اندماج السوريين مع أقرانهم الأتراك في غازي عنتاب، أن نسبة الاندماج قليلة جدًا، وتكاد تكون معدومة، وقد أظهرت الدراسة “أن أقل من 9 بالمئة من السوريين بنوا علاقات متينة مع مواطنين أتراك، بينما بلغت نسبة من لهم قريبون أتراك نحو 7 بالمئة، في مقابل 58 بالمئة كانت لهم علاقات عمل أو علاقات سطحية بأتراك، في المقابل وجد أن أكثر من 25 بالمئة لم يكن لهم أي علاقات بالمجتمع التركي”.
كلما شركاء
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=23430