دفعت خيبة أمل آلاف السوريين من أداء ممثليهم في جولات التفاوض السياسية أو إيجاد حل يبشر بنهاية حقيقية للحرب التي تشهدها بلادهم، والتضييق الكبير على كل من يحمل الهوية السورية في سائر دول العالم، إلى السعي وراء حلول بديلة مؤقتة أو دائمة، في جنسية أو إقامة تضمن أبسط مقومات الحياة، وحالف الحظ الكثير من اللاجئين السوريين خاصة في تركيا التي تحتضن ما يزيد عن ثلاثة مليون منهم.
4500 ملف أي ما يعادل 15 ألف لاجئ سوري من ساكني مختلف المدن التركية، على طاولة مجلس الوزراء ينتظرون الإعلان عن أسمائهم خلال الأيام المقبلة، بعدما أتموا المراحل الست للحصول على الجنسية.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها «القدس العربي» فإن فترة انتظارهم لن تطول كثيراً، وسيتم الإعلان عن أسمائهم خلال الشهر الحالي تشرين الأول/اكتوبر، وسيذهب كل منهم إلى دائرة النفوس لاستلام وصل الهوية التركية، التي سوف يتم إرسالها لاحقاً عبر البريد السريع إلى عنوانهم المقيّد.
وسبق ان حصلت 1000 عائلة سورية، أي ما يعادل 80 ألف شخص من كافة الولايات التركية على حق الجنسية مع بداية العام الحالي، وتوقفت الحكومة عن تجنيس عدد آخر لعدة أشهر منحت خلالها بطاقات «الهوية» المحلية لكل المستفيدين من إجراءات منح الجنسية التركية بشكل استثنائي.
قضايا وآراء
وقال الحقوقي السوري المعارض وسيم الخطيب لـ «القدس العربي» ان الحصول على الجنسية ربما يكون الهدف والأمل الأول لكل لاجئ سوري متواجد على الأراضي التركية، بغض النظر عن حالته المادية أو توفر العمل، عازيا السبب إلى «وصول الملف السوري للقاع وتدوليه ربما كالقضية الفلسطينية إن لم نقل أضعاف ذلك» حسب تعبيره.
وأضاف، تعود رغبة السواد الأعظم من السوريين الحصول على جنسية البلد لعدة أسباب، ويمكن تصنيفها كالآتي، أولاً التواجد الشرعي في البلاد، مما يوفر الظروف للعمل بشكل أوسع والخروج من دائرة العمل المؤقت سواء في المنظمات السورية الفاعلة في تركيا، أو الأعمال الحرة التي لا تضمن للاجئ حقوقه، وبالتالي فالاستقرار هو ما يشجع السوري على القبول والبحث عن أي إمكانيات تؤهله للحصول على جنسية البلد المضيف.
وفي الدرجة الثانية في رأي المتحدث فإن الجنسية تعتبر بديلاً ضروريا عن أي أوراق رسمية يصدرها النظام السوري بشكل حصري، وتعجز المعارضة عن تأمينها بشكل قانوني كـ «جواز السفر، الشهادات» وغيرهما، فعلى سبيل المثال، فإن العائلة السورية في تركيا والمكونة من أربعة أشخاص، تحتاج كل عامين لمبلغ 1600 دولار أمريكي لتجديد جوازات السفر، وفي حال كان التجديد بشكل أسرع فهم في حاجة لضعف المبلغ، ويعتبر توفيره شاقا على العائلات ذات الدخل المادي المتوسط أو المحدود، وبالتالي فإن الجنسية التركية ستكون هي الحل، على اعتبار أن الجواز السوري يعد بمثابة الشرط الأول لإستخراجهم أي أوراق رسمية لإقامة شرعية في تركيا، والجنسية تعفيهم من كل هذه التعقيدات.
والجنسية التركية تعتبر خيارا استراتيجيا لرجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال، فهي تخولهم التملك بكل أريحية في الأراضي التركية، وإقامة مشاريعهم بسلاسة أكبر، وتعفيهم من الشروط الموضوعة من قبل الحكومة حول المشاريع أو الأعمال التي يقيمها الأجانب، وتفتح خيارات دولية أمام السوريين، إذ يسمح لحامله بدخول أكثر من 120 دولة حول العالم، وبالتالي فإن الحاصلين على الجنسية، ستكون أبواب عشرات الدول مشرعة أمامهم للاستثمار والعمل والتنقل.
ويذهب الطالب السوري وائل العبد الله من جامعة غازي عنتاب التركية وهو أحد المستفيدين من الجنسية، خلال حديثه مع «القدس العربي» إلى ان حصول الطالب السوري اللاجئ في تركيا على الجنسية يعطيه مجالا علميا كبيرا، من حيث الحصول على الشهادات المعترف بها في الكثير من الدول.
وأكد الشاب العشريني ان الجنسية فتحت أمامه خيارات عظيمة للعمل دون الوقوع في شبكة القيود والتعقيدات الناجمة عن الحرب في سوريا، وإمساك النظام السوري للأوراق الرسمية وحصوله على مبالغ مالية كبيرة مقابل الوثائق التي يقدمها للمواطنين.
ويرى الناشط الإعلامي ابراهيم حبش، من أهالي محافظة الحسكة والمقيم في تركيا ان آراء الشباب السوري تنقسم إلى ثلاثة اتجاهات فيما يخص التجنس، الأول يرى فيه حلا في ظل انسداد الأفق في وجه القضية السورية والحلول المطروحة التي لا تلبي طموحات الشباب ولا تحل مشاكله الأمنية في سوريا، والثاني يرى فيه إحتواء لأزمته الاقتصادية والاجتماعية إذ مع الحصول عليها ينفتح أفق يصب في صالح الاستقرار الاجتماعي بفعل ارتفاع الدخل والحصول على مستحقات جديدة ضرورية للحياة.
أما أصحاب الاتجاه الثالث فيجدون في الحصول على الجنسية تقييداً لفاعليتهم كسوريين معنيين بحل قضية الشعب والبلاد التي ينتمي إليها وبالتالي يتحملون شعور تأنيب الضمير كونه جزءا من السياسة العالمية التي تقصدت التهجير والتغيير الديموغرافي في بلاده.
وقالت الناشطة الحقوقية ياسمين بنشي لـ «القدس العربي» ان أكثر الأولويات إلحاحا على اللاجئين السوريين في تركيا، هي حصولهم على الجنسية، مضيفة «بالنسبة للتجنيس فإن السوري سوف يتفادى أكبر مشكلة تقض مضجعه وهي جواز السفر، ما يعني انه سوف يتمكن من السفر بحرية إلى الكثير من دول العالم، ويستفيد من فرصة الوظيفة في الدوائر التركية إذا كان متقنا للغة، فضلا عن منح التعليم لأبنائه، فيما ستشكل الجنسية راحة له بعد الإحساس بالاستقرار وما ينتج عنه من تفادي الطرد في أي لحظة لعدم حيازته إقامة نظامية».
وفي المقابل سوف تستفيد تركيا من العقول والمواهب والإمكانات عند بعض السوريين إضافة إلى اندماجهم العلمي مع الأتراك، وزيادة نسبة المؤيدين للحكومة كون أغلب المستفيدين هم من مؤيدي حزب العدالة والتنمية، في رأي ياسمين بنشي.
وقال الناشط الإعلامي والمهتم بملف التجنيس في تركيا عبيدة أحرار لـ «القدس العربي» ان الجنسية أصبحت أمل السوريين الوحيد للإعتراف بهم بعد ان قامت العديد من الدول بإغلاق أبوابها أمام حامل الجواز السوري» مضيفا «من هنا تأتي أهميتها كونها أعطت للمواطن على الأقل حق التنقل والإقامة في بلد دون ان يعتبر نفسه لاجئا».
ونوه إلى ان الجنسية لن تؤمن للمستفيد منها معيشة مرفهة، ولا ممتلكات انما سوف تساعده في أموره القانونية وتثبيت شخصيته لدى دولة تعترف به، وفي المقابل سوف تستفيد الحكومة التركية من الأعداد الكبيرة من السوريين المجنسين. فعلى الصعيد العلمي ستستفيد من المدرسين والمتعلمين وخريجي الجامعات، وعلى المستوى العملي فهي زيادة في اليد العاملة سواء كان عاملا عاديا أو مهندسا أو طبيبا وهذا ما سيحقق لتركيا دخلا أعلى على المستوى الاقتصادي.
وتساءل بعض المستفيدين من الجنسية خلال حديثهم مع «القدس العربي» حول إمكانية إيجاد فرص عمل للسوريين الذين تم تجنيسهم سابقا، وعن المؤسسات التي سوف تستقبلهم، خاصة ان تركيا عانت من ارتفاع نسبة البطالة في الفترة الأخيرة حيث وصلت إلى 11.5 في شهر اب/اغسطس لهذا العام، فيما عمدت في رأي البعض إلى تجنيس أصحاب الخبرات والعاملين سواء كانوا من موظفي المنظمات الداعمة للملف السوري، أو الأطباء والمعلمين ممن يمتكلون عملاً شبه ثابت في الأصل.
مراحل التجنيس
يمر المترشح للجنسية التركية عبر سبع مراحل، الأولى هي الاستدعاء من قبل إدارة الهجرة، والثانية تجهيز الأوراق المقبولة وتقديمها للهجرة، وفي الثالثة ارسال الأوراق للنفوس العامة في العاصمة أنقرة حيث تجري مطابقتها، ثم أشد المراحل حراجة حين تقوم جهتان أمنيتان بالإطلاع على الملف الخاص للمرشح إلى الجنسية، وهما المخابرات وفرع الأمنيات، وفي حال وجود أي خلل في أوراق صاحب الملف سوف يأتيه الرفض، ويتم إرسال الملف للأرشيف وتوقيع صاحبه على معاملة الرفض، أما المرحلة الخامسة فهي ة تجهيز الأسماء ضمن قائمة معينة لإرسالها إلى مكتب الوزراء للتوقيع عليها وهي أقصر المراحل إذ لا تتجاوز الشهر وأحياناً أقل من أسبوع، فيما يتم في المرحلة السادسة التوقيع وهي تعتمد على اجتماع مجلس الوزراء وأولويات عمله.
أما المرحلة الأخيرة فهي التوقيع على قرار التجنيس واستلام وصل الهوية عبر دائرة النفوس الفرعية في المنطقة.
الرأي التركي
بين مؤيد ومعارض وغير مهتم، تنقسم الآراء في تركيا بشان تجنبس اللاجئين. الشابة هدان اليك خان من مدينة اسطنبول أيدت الفكرة وأكدت لـ»القدس العربي» ان سياسة الحكومة تتماشى مع الوضع الراهن الذي تمر به البلاد، حيث سيتم تجنيس أعداد كبيرة من اللاجئين الذين سيتم إعدادهم في خطوات لاحقة لبناء سوريا، فالمهندس أو الطبيب أو المعلم المستفيد من الجنسية، سيعمل في مناطق سيطرة «درع الفرات» أو المناطق الأخرى التي سينتشر فيها الجيش التركي، وسيكونون لبنة فاعلة في إعادة إعمار بلدهم وكل منهم مطمئن على مواطنته وحقوقه وواجباته، حسب رأيها.
ونقلت هدان آراء البعض ممن لا يرفضون المشروع فحسب بل يرفضون تواجد السوريين على الأراضي التركية، ظنا منهم انهم يشكلون عبئا اقتصاديا على الدولة المضيفة أو يحصلون على امتيازات تفوق ما يحصل عليه المواطن من منح جامعية أو مساعدات، واصفة هؤلاء بـ «العنصريين».
حقوق وواجبات
ويرى الصحافي السوري المختص في الشأن التركي عبو الحسو إن الأسباب التي دفعت تركيا لتجنيس السوريين عديدة منها منع هجرة الكفاءات إلى أوروبا والاستفادة منهم في تركيا، حيث استهدفت منذ البداية الأطباء والمدرسين وأصحاب الشهادات الجامعية والآن طلاب الجامعات، وأضاف لـ»القدس العربي» إن الهدف من تجنيس السوريين هو الاستفادة من الكفاءات العلمية في تركيا وفي منطقة درع الفرات، حيث تم التعميم أن فائض المدرسين الموجودين في مراكز التعليم المؤقت بعد تحويل الطلاب السوريين إلى المدارس التركية ستتم الاستفادة منه في مناطق درع الفرات.
وتابع إن تركيا ستستفيد أيضا من منح المستثمرين ورجال الأعمال السوريين ممن يملك أذونات عمل، والجنسية التركية ستفتح أمامهم الآفاق ويوسعون استثماراتهم في تركيا وسيجذب أيضاً مستثمرين سوريين موجودين في الخليج بشكل خاص، كما ان دمج السوريين في المجتمع التركي بمنحهم الجنسية سيخفف الأعباء المالية على الدولة التركية.
ولفت إلى أن أبرز فوائد التجنيس بالنسبة للسوريين هي التخلص من مشكلة الوثائق وقيود السفر المفروضة عليهم وعدم التعرض للتمييز والعمل دون الحاجة إلى استخراج أذن العمل وفتح الطريق أمامهم للعمل في المهن المحظورة فيها على الأجانب منها طب الأسنان والصيدلة والمحاماة والأعمال البحرية والأمن الخاص والوظائف الحكومية.
وفيما يتعلق بحقوق وواجبات المنتفعين من القرار التجنيس قال الحسو: أن السوريين يمتلكون كافة حقوق وواجبات المواطن التركي، من حق التعليم والصحة والانتخاب والترشيح والمساواة في الفرص وأمام القانون وحرية الرأي والتعبير والانتساب وتشكيل الأحزاب والجمعيات والنقابات وما إلى ذلك.
ولكن أكثر ما يؤرق السوريين في الحصول على جواز السفر هو آلية السحب إلى الخدمة الإلزامية، حيث أكدت مصادر مطلعة لـ»القدس العربي» لم تحدد صيغة قانونية بعد لخدمة العلم، وما إذا كان هناك استثناء يخصهم لاحقًا، حيث أكدت المصادر ان مصير السوريين متعلق بالقانون الذي سيتم منحهم الجنسية من خلاله، أجنبي أو مهاجر، أو ربما يصدر قانون خصيصا لهم.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صرح منذ مطلع عام 2016 عزم بلاده منح الجنسية التركية للسوريين من ذوي «الطاقات والكفاءات» بغية أن لا تهاجر هذه العقول إلى الدول الأخرى، حيث كانت الحكومة منحت الدفعة الأولى والتي بلغ عددها قرابة الـ 252 شخصا من السوريين، الجنسية، في نهاية شهر نيسان/ابريل 2016 بعد ان لجأوا إلى تركيا واستقروا في المخيمات منذ عام 2011 وتجاوزت إقامتهم فيها مدة خمس سنوات.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=30309