ارتشفت من فنجان قهوتها، تنهدت طويلاً وهي تسترجع مشاهد من الأيام الماضية، وبابتسامة حزينة قالت “كأنني استيقظت للتو من كابوس استمر 5 شهور، لم يكن سهلاً علي فراق ابنتي”، فمعاناة الأم السورية هالة الرستناوي المقيمة في ألمانيا مع مكتب رعاية الشباب انتهت أخيراً!
بدأ كابوس الأم السورية أواخر شهر أيلول الماضي، عندما هربت ابنتاها التوأم “14 عاماً” من المنزل في مدينة فوبرتال غرب ألمانيا، حيث تقيم العائلة منذ 3 سنوات، ولجأتا إلى مكتب رعاية الشباب “يوغند أمت” بتهمة قيام والدتهما بضربهما وممارسة الرقابة عليهما.
وكانت الفتاتان قد غادرتا المنزل للمدرسة بعد أيام من الاحتفال بعيد ميلادهما، ولم تعودا إليه، ولم تتجاوبا مع اتصالات والدتهما، لتعرف الأم لاحقاً بأمر الشكوى وتولي مكتب الرعاية الإشراف على قضيتهما.
وتقر الأم بأن الاتهام الوحيد الصحيح الموجه لها هو ممارستها الرقابة على هواتفهما فقط، مشيرة إلى أنه كان يحز في نفسها ويؤلمها قول ابنتيها حينذاك إنه ليس من شأنها تقرير أمر ذهابهما لمكان أو منعهما من ذلك، لأنهما تحت حماية الحكومة.
بالنسبة لهالة فإن ما حصل كان وراءه شاب سوري يكبر ابنتيها بعامين، أثر عليهما وحرضهما على التصرف على هذا النحو موحياً لهما بأن بوسعهما فعل ما يروق لهما واصطحابهما إلى مكتب رعاية الشباب، نافية لعب مشاكل أسرية مفترضة دوراً حاسماً في ذلك.
في بداية القصة، استغرقها الأمر 3 أسابيع قبل أن تلتقي بابنتيها للمرة الأولى بعد هروبهما، ورافق ذلك اللقاء توقيعها على وثيقة تسمح لهما بالبقاء فترة قصيرة بعهدة مكتب الرعاية ريثما يتم التحقق من ادعاءات الفتاتين.
فيسبوك ساعدها!
حينها، شارك الكثير من السوريين على الشبكات الاجتماعية فيديوهات ظهرت فيها الأم السورية تتحدث عن محاولاتها لاستعادة بنتيها التوأم من مأوى تابع لمكتب رعاية الشباب.
ولم يكن السوريون وحدهم من اهتم بهذه الفيديوهات بل أيضاً الموظفون في مكتب رعاية الشباب الذين تفاعلوا مع تلك الفيديوهات وقاموا بترجمتها للألمانية وناقشوا معها النقاط الواردة فيه، تقول هالة “بعد انتشار الفيديوهات تغير تعاطي موظفي مكتب رعاية الشباب معي، ولمست رغبتهم في حل المشكلة جدياً، وذلك بعد أن كان التعامل مع القضية في البداية عادياً”.
لم تشعر السيدة الخمسينية بأي خوف من الظهور على السوشيال ميديا والتحدث عن قضية ابنتيها وخاصة أن زوجها المقيم خارج ألمانيا شجعها على ذلك، الكل أيدها ما عدا ابنتيها، تقول “لم يعترض أحد على ما فعلت إلا ابنتي لم يعجبهما ذلك”.
هروب الفتاتين
وتتحدث الرستناوي عن هروب البنتين من المأوى لعدة مرات، خلافاً للقواعد الناظمة للإقامة فيه في شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، وتغيبهما عن الدوام في المدرسة، وسوء في نتائجهما المدرسية خلال تلك الفترة.
بعد أيام من هروب الفتاتين من المركز في الـ 18 من شهر نوفمبر الماضي، اجتمعت هالة مع موظفة من مكتب الرعاية، وقررت الأخيرة إعادتهما للمنزل، محاولة إخلاء مسؤوليتهم عن الأمر، على حد تقديرها.
ومن المنتظر أن تحصل عائلة الرستناوي، التي وصلت إلى ألمانيا منذ أكثر من 3 سنوات، على دعم في الفترة القادمة من موظف متنقل يعمل في خدمة تربوية تقدمها منظمة كاريتاس الخيرية، بهدف المساهمة في استقرار العائلة.
أكثر حالات التفريق في الأسرة العربية تتعلق بالعنف
ولكن على عكس ما تعتقده هالة، تقول ميساء سلامة فولف، التي تعمل كمترجمة مستقلة مع مكتب رعاية الشباب في برلين، إن تناول الإعلام لقصة السيدة السورية هالة، سلط الضوء عليها، ما قد يكون دفع المكتب إلى التفاعل مع القضية بشكل أسرع، لكنها استبعدت أن يؤثر ذلك على قرارهم في إعادة البنتين لمنزل العائلة إن لم يكن ذلك برغبتهما.
وتبين “فولف”، التي تحدثت مع هاف بوست عربي انطلاقاً من خبرتها العملية، أن مكتب الرعاية لا يفضل عادة فصل الطفل عن أهله، لافتة إلى التكاليف الباهظة التي تترتب على السلطات حال نقل الطفل للعيش في “مرفق لمعالجة الأزمات العائلية” أو لدى عائلة حاضنة.
وتتعلق عادة عمليات التفريق التي تتم على وجه السرعة، بالاعتداء الجنسي أو بالضرب المبرح المتكرر للأطفال، موضحة أن حالات التفريق قد تتضمن أيضاً الإهمال المطلق للعناية بالطفل.
وتختلف طرق تبليغ مكتب رعاية الشباب، ما بين تواصل إدارة مدرسة مثلاً معه وإخباره بحضور أحد الأطفال بشكل دائم للمدرسة وعلامات الإهمال وانعدام النظافة بادية عليه، أو فرار الأطفال بأنفسهم والتبليغ، أو تبليغ الجيران عن الأمر.
وتؤكد “فولف” أنه يتم التأكد من البلاغ عادة، والنظر فيما إذا كان كاذباً أم لا، وأن عمليات فصل الأطفال لا تحدث بتلك السهولة، بل تخضع لرأي خبراء تربويين.
“اتخذوا أولادكم أصدقاء”
ويرى متصفح المجموعات الخاصة باللاجئين على موقع فيسبوك العديد من شكاوى الأهل عن تمرد الأطفال أو انتقادهم لاستغلال مفترض للقوانين التي يرون أنها تمنحهم هامشاً كبيراً للحرية.
وتنصح “فولف”، التي تعمل أيضاً كـ”مساعدة أسرية”، في هذا الشأن الأهل بمحاولة كسب أطفالهم كأصدقاء وبناء جسر للحوار معهم، والطلب منهم التحدث معهم حتى لو ارتكبوا أخطاء، تماماً كما حصل مع هالة.
المصدر: يني شفق
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=40492