خاص تركيا بالعربي / نعيم مصطفى
من المعلوم أن المظاهرات في الدول الغربية الديمقراطية المتحضرة هو سلوك مباح حفظته القوانين والدساتير ولكن إباحته لها سقف وليست مطلقة، وهذا أمر طبيعي لا غبار عليه.
وعادة ما تندلع المظاهرات إما لقانون جديد صدر ولم يعجب شريحة من الناس أو لقرار اعتمد وشعر الناس بانعكاساته السلبية عليهم أو ضد مسؤول ما استغل سلطته لمصالحه الشخصية أو تلكأ في أداء واجبه…هذه الأسباب غالباً ما تكون وراء المظاهرات في الغرب، وهذا السلوك حضاري لأن الشعب في هذه الحالة يشارك الحكومة في صنع القرارات وإدارة دفة الدولة. وغالباً إن لم نقل دائماً ما يصغي المسؤولون إلى احتجاجات الناس ويتعاملون معها بإيجابية، فإما أن يذعنوا لمطالب الشريحة من الناس التي خرجت إلى الشوارع أو يدافعوا عن أنفسهم وقراراتهم التي يحاولون إقناع الناس بانها على المدى البعيد ستصب في مصالحهم.
و في الآونة الأخيرة اندلعت مظاهرات في فرنسا تبناها ما يُعرف بأصحاب السترات الصفراء ومعظمهم من اليمين المتطرف وهم لا يمثلون إلا النذر اليسير من الشعب.
و كان يجب على الدولة أن تتصدى لهم بعنف وقوة لأنهم قاموا بالتخريب وحرق الممتلكات العامة والهجوم على الشرطة، ولكن الدولة تعاملت معهم بضبط النفس قدر المستطاع وقد سقط عدداً من الجرحى من كلا الطرفين – الحكومة والمتظاهرين – .
وكانت الذريعة التي اتخذها أولئك اليمينيون هي ارتفاع أسعار المحروقات مع أن هناك تشريعات تعوض ذلك الارتفاع، لكن المظاهرات كما توحي مفتعلة ولأغراض ومكاسب سياسية.
ما إن بدأت القنوات الفضائية وعلى رأسها القنوات الفرنسية ببث تلك الأحداث وتغطيتها بكل شفافية ووضوح حتى رأينا قنوات ومواقع المستبدين الطغاة – ولا سيما العرب – يسلطون الأضواء على تلك المظاهرات، والفرحة والحبور تغمرهم، موجهين الرسائل إلى الشعوب العربية أن المظاهرات والتعامل معها بقوة مشروع حتى في الدول الديمقراطية.
والحقيقة أن الموازنة بين المظاهرات التي حصلت في بعض البلدان العربية وفرنسا هي مثل الموازنة بين الجمل والسيارة أو الطائرة، أوبين السيف والصاروخ.
أول ملاحظة على المظاهرات أنه لم يُقتل ولا شخص على الرغم من انتهاك المتظاهرين للقوانين في ممارسة التظاهر ولكن جُرح عدد من الطرفين.
ثانياً لم نسمع المتظاهرين يرددون عبارة (الشعب يريد إسقاط النظام)
ثالثاً بدأت الحكومة تحاورهم على أعلى مستويات (رئيس الوزراء).
رابعاً لم تستخدم القوات الفرنسية سوى خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.
أما في الدول المستبدة العربية فنجد القتلى والجرحى بالآلاف بل تجاوزت المليون في سورية مثلاً، ثم إن شعارات المتظاهرين في الغرب لا تستهدف رأس الدولة لأنها هي اختارته عبر صناديق الاقتراع وإذا شعرت أن خيارها كان خاطئاً فعليها أن تتحمل مسؤولية اختيارها وذلك بصبرها على السنوات القليلة التي سيقضيها في سدة الحكم ثم يغادر، أما في الدول العربية فالشعب يريد رأس النظام لأنه يلتصق بالكرسي إلى نهاية حياته.
رأينا كيف نجحت ثورة 25 يناير في مصر ووصل الشعب إلى مراده وغير رئيس النظام الذي جثم على صدور الشعب قرابة ثلاثة عقود، وفتحت الصناديق بكل شفافية وديمقراطية وانتخب رئيس مدني، ولكن جهل الشعب والمؤامرة الخارجية والداخلية عليه نسفت تلك التجربة التي طالما حلم بها الشعب وحالت دون تحقيق ما يصبون إليه عبر تسلل الثورة المضادة إليها بعد عام فقط من الحكم الديمقراطي الحقيقي والحجة في ذلك أن الرئيس المنتخب راديكالي ويمكن – يعني افتراض – أن يحيد عن الديمقراطية لخدمة راديكاليته.
و لو فرضنا أن هذا الزعم المفترى صحيح، كان يمكن للشعب أن يصبر على هذا الرجل مهما صنع ويتحمل الثلاث سنوات المتبقية له ثم يطرده بالصندوق كما انتخبه بالصندوق لكن هيهات هيهات، ولا حياة لمن تنادي:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
فالذين انتشوا لما حدث في فرنسا ودبجوا المقالات وراحوا يقدمون النصائح لماكرون كيف يتعامل مع المتظاهرين نقول لهم لقد خابت أقلامكم واسودت أوراقكم، وأصبحتم مرتعاً للسخرية والتندر في منتديات ومجالس الشعوب المتنورة وخابت مساعيكم، ولقد خضع ماكرون للشعب الذي هو منه والذي اختاره ليخدمه ويسهر على راحته، أما أنتم أيها المارقون الطغاة فتعتبرون الشعب خادماً لكم، وتقتلون مئات الآلاف وتهجرون الملايين ولا تتنازلون عن كراسيكم إلا بالموت أو القتل وهو قريب ولا محال واقع، هكذا أخبرتنا سير الطغاة عبر التاريخ.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=83070