بمذاقه المميز، يواصل الحلقوم التركي، منذ عقود، التحليق على مستوى العالم، ليكون الرفيق الدائم للمناسبات العائلية، وصديق اللحظات الحلوة والجميلة في كل زمان ومكان.
حكايته بدأت بالحلوى الشعبية العثمانية قبل مئات السنين، بمنطقة الأناضول، بمزج العسل والدبس (دبس العنب الحلو)، مع الطحين، لتتشكل حلوى محلية، وتنتقل مع نهايات القرن الثامن عشر إلى عالم الصناعة المحلية ومن ثم العالمية.
** الحلقوم.. رفيق حياة
في القرن الثامن عشر، استفاد الحاج بكير، صاحب أول محل لبيع هذا النوع من الحلوى التي تسمى في تركيا “اللوقوم”، من اكتشاف السكر المكرر، والنشاء، للحصول على مزيج مميز لـ”راحة الحلقوم”، نقله عبر محله القديم في إسطنبول، منذ عام 1777، إلى كل دول العالم.
وبات الحلقوم التركي متوفرا في كل مكان وزمان، يمكن تناوله على مائدة الطعام، ومع القهوة والشاي، كما أنه رفيق الضيافات في التجمعات العائلية وبين الأصدقاء، و يزين أطباق الحلويات في مختلف المناسبات.
ويحل الحلقوم ضيفا هاما في مناسبات الأعياد المختلفة الدينية والقومية، ويرافق حفلات عيد الميلاد والتجمعات الاجتماعية المختلفة، ليكون رفيقا للحظات الجميلة والسعيدة، ومذاقا له مكانته الخاصة بقلوب عشاقه.
وبالأشهر الـ8 الأولى من 2017، صدّرت تركيا بقيمة نحو 16مليون دولار من “راحة الحلقوم” التي تعد من أهم الحلويات العثمانية.
ووفق أحدث معطيات هيئة الإحصاء التركية (حكومية)، تعتبر بريطانيا أكبر المستوردين للحلقوم، حيث تجاوز حجم صادرات هذا المنتج إليها 520 طنا، بقيمة مليون و572 ألفا و800 دولار.
وتكاد لا تخلو أسواق إسطنبول ومختلف أحيائها والمدن التركية كذلك، من مراكز بيع حلوى راحة الحلقوم.
وتتكثف ظاهرة بيع هذه الحلوى بالأماكن السياحية أيضا، حيث تنتشر المتاجر المتخصصة على طول الشوارع الأثرية بالمدينة، مثل السلطان أحمد، وبيازيد، وأكسراي، ولاليلي.
ويتم إنتاج عشرات الأنواع من حلوى الحلقوم، والسكاكر الملحقة بها، حيث استفادت من التقنيات الحديثة لطرحها بأشكال مختلفة، مطعمة بنكهات عديدة من الليمون والورد وماء الزهر، وباقي المنكهات الأخرى.
كما أن هذا النوع من الحلوى تستخدم فيه المكسرات بشكل كبير، فإضافة للحلقوم السادة، هناك أنواع بالبندق والجوز والفستق وجوز الهند، ومنها ما هو مغطس بالشوكلاتة والشعيرية والبن.
** مهد الحلقوم التركي
الأناضول زارت أقدم متجر في تركيا والعالم لإنتاج الحلقوم، والذي لا يزال محافظا على مكانه بمنطقة “أمينونو” بقلب إسطنبول القديمة، على خليج القرن الذهبي، حيث وضعت على الرفوف عشرات الأنواع من الحلقوم والسكاكر المختلفة.
وفي هذا المتجر، بدأ الحج بكير في إنتاج هذه الحلوى، قبل أن يتم اختياره لاحقا من القصر العثماني ليكون مزوده بهذه الحلوى، ومن ثم انتقل ليشارك بمعارض عالمية أقيمت في كبريات المدن الأوروبية والولايات المتحدة، ونال جوائز عديدة.
وبذلك، انتقلت هذه الحلوى المميزة إلى مختلف دول العالم، ويتم تصديرها حاليا لدول كثيرة، فيما تعتبر من أولى الحلويات التي يستهدفها الزائر والسائح القادم إلى تركيا.
ليلي جلاليان؛ من الجيل السادس للحاج بكير، وهي أحد مدراء الشركة التي تعد من ضمن أول مائة ماركة عالمية، وأول شركة مسجلة في تركيا، قالت إن “الحاج بكير بدأ بإنتاج هذه الحلويات بفرن بسيط بالمتجر”.
وأضافت متحدثة للأناضول: “وصفة الحلقوم موجودة منذ مئات السنين بمنطقة الأناضول التركية، والتقليدي منها هو ما يصنع من العسل والدبس وطحين القمح، وبعدها يضاف لها خميرة أو الفستق وماء الورد، ويتم تنويعه بهذه الطريقة”.
ولفتت إلى أن “الحاج بكير وسع الإنتاج بالاعتماد على السكر والنشاء، وتطويره مع نهاية القرن الثامن عشر، لتتحول إلى شكل الحلقوم الحالي”.
وأكدت أن الحلقوم “بالأساس أكلة شعبية تقليدية، والحاج بكير الذي جاء من ولاية قسطمون (إحدى ولايات الدولة العثمانية/ تغطي حاليا أجزاء من شمالي تركيا) إلى إسطنبول، فتح دكانه هنا الذي نحن فيه، وفي الخلف، كان لديه فرن يستخدمه ويبيع إنتاجه هنا بنفس المكان”.
ومستعرضة قصة الحلقوم ومراحل تطوره، تابعت: “جدّي استفاد من التطورات التي رافقت تطور إنتاج السكر، ودمجها مع الحلقوم، لتصل إلى شكل المكعبات الحالية التي يتم بيعها في الأسواق”.
ونظرا لإبداعه، كرم الجد من قبل القصر العثماني، ومنح لقب كبير صانعي السكاكر، وبدأ بإنتاج الحلويات والسكاكر للقصر العثماني.
إثر ذلك، شارك في المعارض الأوروبية للتعريف بالحلقوم وبالثقافة العثمانية، ليمر بتلك الطريقة إلى العالمية، وبدأ تصدير هذا النوع من الحلوى للعالم.
وفي ما يتعلق بالأنواع المنتجة واهتمام العرب، قالت جلاليان: “هناك عشرات الأنواع من حلوى الحلقوم والسكاكر المرتبطة بها، وهناك اهتمام واسع من قبل الزبائن العرب”.
فهؤلاء الزبائن، تتابع، “يزورون المتجر ويحرصون على ذلك، وهم من يفضلون الأنواع التقليدية، مع المكسرات المتعارف عليها، والمنكهات، وخاصة في شهر رمضان، هناك اهتمام بالحلقوم مع التمر”.
وسبق أن أعلنت التركية “زينب تورودي”، التي تعمل في إنتاج راحة الحلقوم، أنها تصدّر منتجاتها إلى 15 دولة، بينها بريطانيا والولايات المتحدة وكندا والإمارات وقطر وألمانيا وفرنسا.
وأوضحت تورودي، في حديث سابق للأناضول، أنها نشأت في بريطانيا، وأجرت أبحاثًا لنحو عامين في تركيا من أجل إيجاد الطعم الأنسب لمذاق البريطانيين.
ونجحت تورودي في ترويج راحة “الحلقوم التركي” في بريطانيا، ما فتح أمامها مجالا واسعا لتصدير تلك الحلوى إلى أنحاء أخرى حول العالم.
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=85579