معتز علي باحث في الشؤون السياسية / مدونات الجزيرة
يشتد الصراع على حقول الغاز في شرق البحر المتوسط بين الدول الشاطئية منذ أكثر من عقد من الزمان، والتي تشير التقديرات إلى احتوائها على ثالث أكبر تجمع للغاز في العالم، بعد الخليج العربي وبحر قزوين.
تعود الحكاية لعام 2013 عقب نجاح الانقلاب العسكري في مصر على جماعة الإخوان، ورفض تركيا الاعتراف بسلطة الانقلاب، حيث بادرت السلطة المعيًنة من قبل الجيش بترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، بينما تجاهلت ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، كما قام السيسي عقب استلامه للحكم، في نوفمبر 2014 بعقد قمة مع رؤساء حكومتي قبرص واليونان سميت إعلاميا بقمة الكلاماتا، وتم التوقيع على الاتفاقية الإطارية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بينهم دون تركيا، في إعلان للحرب على المصالح التركية في البحر المتوسط.
على الجانب الأخر، تزعم الحكومة التركية أن المسافة بين مصر وتركيا عند أقرب نقطة بين شاويش كوي التركية وبلطيم المصرية، هي أقرب من المسافة بين قبرص واليونان، الأمر الذي يسمح لمصر وتركيا أن تقتسما الحدود البحرية دون قبرص واليونان، طبقا لاتفاقيات الأمم المتحدة الخاصة بترسيم الحدود البحرية.
كما صرح المهندس نايل الشافعي، المحاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية وأحد المهتمين بقضايا الغاز، أن مصر تنازلت عن شريط مائي مساحته ضعف دلتا النيل لليونان، بغرض منح هذا البلد منطقة اقتصادية خالصة لجزيرة كاستلوريزو، فيتحقق بذلك تلامس حدود اليونان مع قبرص، حيث يؤدي هذا الإجراء لتلاصق الحدود البحرية لكل من إسرائيل وقبرص واليونان، بما يسمح بتمرير أنبوب للغاز الإسرائيلي بين تل أبيب وأثينا دون أن تدفع إسرائيل أي رسوم لمصر.
غاز إسرائيل لأوروبا عبر تركيا
نجح السيسي في إقناع إسرائيل بنقل الغاز المكتشف إلى محطات التسييل والتي كانت شبه متوقفة عن العمل بسبب توقف التصدير، وبذلك فشلت الخطة التركية جزئيا والتي تهدف لجعل تركيا عقدة لمرور أنابيب الغاز إلى أوروبا
بعد توتر العلاقات بين الدولتين بسبب أسطول الحرية عام 2010، قامت إسرائيل بتسريع المصالحة مع تركيا عام 2016 مع دفع تعويضات للجانب التركي، أملا في تمرير أنبوب الغاز الإسرائيلي لأوروبا عبر تركيا، التي تعتبر الطريق الأقصر والأقل تكلفة (حوالي 3 مليار دولار) مقابل خط الغاز لليونان والذي يتكلف من 7 إلي 8 مليار دولار. إلا أن أنبوب الغاز الذي سيمر بجوار قبرص يشترط توافق تركي قبرصي، وفي ظل توتر العلاقات بينهما يصبح المشروع معلقا لحين إشعار أخر.
البديل اليوناني
تطرح اليونان نفسها كبديل لنقل الغاز الإسرائيلي لأوروبا بالرغم من بعد المسافة، كما أن الأنبوب سيتم نزوله إلي عمق أكثر من أربعة ألاف متر في بعض المناطق، وهو قد يصعب تنفيذه تقنيا. كما أن مرور الأنبوب من المياه الاقتصادية الإسرائيلية إلى اليونان، سيضطر للمرور بالمياه الاقتصادية التركية، التي تلاصق المياه الاقتصادية المصرية، ولحل تلك المعضلة، تم ترسيم الحدود بين مصر وقبرص واليونان بحيث تتلاصق الحدود البحرية لقبرص مع كل من إسرائيل واليونان، دون الوضع في الاعتبار وجود أي حدود بحرية تركية، الأمر الذي قابلته تركيا بفرض سياسة الأمر الواقع، حيث طورت تركيا سفن للبحث السيزمي وقامت ببدء البحث عن الغاز في شمال نقطة المنتصف لأقصر مسافة بين مصر وتركيا.
السيسي يستقبل الغاز الإسرائيلي
نجح السيسي في فبراير 2018، في إقناع إسرائيل بنقل الغاز المكتشف إلى محطات التسييل والتي كانت شبه متوقفة عن العمل بسبب توقف التصدير، وبذلك فشلت الخطة التركية جزئيا والتي تهدف لجعل تركيا عقدة لمرور أنابيب الغاز إلى أوروبا، بعد أن تم التعاقد علي تمرير أنبوب الغاز الأذري والروسي لأوروبا، حيث من المتوقع أن تصل تلك الخطوط لأوروبا عام 2022.
تركيا تصعد
قامت تركيا بمنع سفن تنقيب تابعة لشركة إيني الإيطالية، من بلوك 3 القبرصي في فبراير 2018، بدعوي انتهاك حقوق القبارصة الأتراك، خصوصا وأن الجزيرة القبرصية لا تزال مقسمة بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين منذ 1974 ولا تزال القضية عالقة، حيث تصر تركيا علي عدم اتخاذ قبرص لأي مبادرات في التنقيب عن الغاز قبل حل مشكلة توحيد الجزيرة.
افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية
بعد فشل الحصار على قطر في يونيو 2017، وبعد إرسال تركيا لجنودها إلى الدوحة، قام زعماء دول الحصار بإعادة افتتاح قاعدة الحمام العسكرية تحت اسم قاعدة محمد نجيب، كما قام السيسي في نوفمبر 2017 بالاشتراك في مناورات عسكرية مشتركة مع اليونان في جزيرة رودس اليونانية المنزوعة السلاح لقربها من الأراضي التركية، في تهديد مبطن لأردوغان بعد التدخل في الأزمة القطرية على غير هوى السيسي وبن زايد، كما شاركت اليونان في مناورات النجم الساطع عامي 2017 و2018 بعد إعادة إحياءها مرة أخري في قاعدة محمد نجيب العسكرية.
وفي ظل تصاعد حالة الشد والجذب بين تركيا واليونان حول البحث عن النفط والغاز في بحر إيجة والجرف القاري لتركيا وقبرص، الأمر الذي ينبئ بقرب قيام حرب بينهما كما حدث في عام 1996، عندما أسقطت تركيا طائرة هليكوبتر يونانية فوق أحد الجزر المتنازع عليها في بحر إيجة، ولعب التدخل الدبلوماسي الأمريكي الكبير الدور الأكبر في نزع فتيل الحرب وقتها. حيث تعاني العلاقات التركية اليونانية من توتر دائم منذ حرب التركية اليونانية (1919-1922) والتي طردت فيها القوات التركية اليونانيين من أزمير، إلا أن عدة جزر من بحر أيجة والقريبة جدا من السواحل التركية لا تزال تحت سيطرة اليونان منذ اتفاقية لوزان 1923.
السيسي يشتري أسلحة
يساعد التفاهم التركي الروسي بشأن تمرير الغاز الروسي وغاز بحر قزوين لأوروبا عبر تركيا، في تحويل الصراع على غاز المتوسط من صراع إقليمي لصراع دولي بين الحلف التركي الروسي والحلف الغربي بقيادة أمريكا وأوروبا
في ظل التقارب المصري مع إسرائيل، العدو التقليدي لمصر، اتجه السيسي لشراء أسلحة من فرنسا وألمانيا وروسيا وأمريكا بـ 20 مليار دولار، لتدعيم الجيش المصري وخصوصا القوات البحرية والجوية، تحسبا للمواجهة القادمة مع تركيا، حيث تم التعاقد مع فرنسا على شراء أربع فرقاطات من نوع جوييد، وفرقاطتين من نواع فرايم، خلافا لحاملتي طائرات مستيرال لحمل طائرات هليكوبتر وقمر للاتصالات العسكرية.
كما تم التعاقد على 4 غواصات من ألمانيا، و4 لنشات أمريكية سريعة من طراز إمباسدور، بخلاف صورايخ اس300 الروسية بنسختها (في ام) المتطورة. وفي مجال الطائرات تم شراء 24 طائرة رافال فرنسية و12 طائرة إف16 أمريكية و50 طائرة ميج 29 روسية بالإضافة إلى 50 طائرة عمودية من طراز كا 52 والتي تصلح للعمل على حاملتي الطائرات الفرنسية المستيرال.
أردوغان يطور أسطوله البحري
بدأ أردوغان الاستعداد للحرب المتوقعة مع مصر واليونان بتصنيع أول حاملة طائرات محلية عام 2016 والمتوقع أن يتم تسليمها في 2019، وتستطيع تلك الحاملة أن تستوعب ثماني طائرات إف35، وست طائرات مروحية من طراز أتاك، وثماني مروحيات شحن ومروحتين سي هوك وطائرتين بدون طيار، بالإضافة لإمكانية حمل العشرات من الدبابات والمركبات الخفيفة والمدرعة داخل بطن حاملة الطائرات، كما بدأت تركيا في صناعة أول فرقاطة محلية الصنع في عام 2017، ومن المقرر الانتهاء منها عام 2020. كما تم بالبدء في تصنيع خمس غواصات محلية من فئة بيري ريس عام 2017 والتي ستسلم في 2020، وتم الانتهاء من بناء أربع سفن حربية محلية الصنع تحمل اسم كورفيت، كما تم التعاقد على منظومة صواريخ إس400 من روسيا.
قواعد عسكرية مصرية وتركية في البحر الأحمر
وفي تصعيد جديد على الصعيد الإقليمي، أعلنت مصر في أكتوبر 2018 علي لسان قائد القوات البحرية المصرية، عن اعتزامها إنشاء 5 قواعد عسكرية على البحر الأحمر والمتوسط، وتم الإعلان عن أول تلك القواعد في حلايب وشلاتين، الواقعة علي البحر الأحمر والتي تعتبر محل نزاع مع السودان، الأمر الذي قابلته السودان بدعوة تركيا لإقامة قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن، في تصعيد عسكري غير متوقع، حيث تعتبر مصر تواجد تركيا في البحر الأحمر يشكل تهديدا لأسطولها الجنوبي.
متي تبدأ الحرب؟
يساعد التفاهم التركي الروسي بشأن تمرير الغاز الروسي وغاز بحر قزوين لأوروبا عبر تركيا، في تحويل الصراع على غاز المتوسط من صراع إقليمي لصراع دولي بين الحلف التركي الروسي والحلف الغربي بقيادة أمريكا وأوروبا، وقد يتطور الصراع من صراع سياسي واقتصادي لصراع عسكري.
حيث تصر أمريكا على منع تركيا من استخراج الغاز وتصديره لأوروبا، لأن هذا يحول تركيا لمركز إقليمي لتصدير الغاز لأوروبا، ويجعلها تتحول من قوة إقليمية لقوة عالمية مؤثرة في المشهد السياسي، وقد يصعب من فرص السيطرة على صانع القرار التركي. وعلى الجانب الأخر من المتوسط، يريد السيسي أن يلعب هذا الدور عن طريق منع تركيا من الوصول للغاز، ومن ثم يقوم هو وحلفائه في قبرص وإسرائيل بتصدير الغاز المستخرج عن طريق تسييله، أو تمرير أنبوب الغاز لليونان، وبذلك ترتفع أسهمه لدي صانع القرار الغربي. فهل ينتهي الصراع على الغاز بين أردوغان والسيسي بالتفاهم حول ترسيم الحدود البحرية بينهما، ومن ثم تبدأ عمليات استخراج الغاز، أم تتصاعد وتيرة الأحداث حتى تصل لحد الصدام المسلح؟
تنويه: مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي تركيا بالعربي
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=86187