لطالما كان ملف اللجوء عاملاً مهماً في صياغة وتأطير العلاقات التركية – الأوروبية سلباً وإيجاباً، سيما بعد اتفاق إعادة اللاجئين الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا في آذار/مارس من العام الفائت ثم تعثره وعدم الالتزام الأوروبي بتحرير تأشيرة شينغن على المواطنين الأتراك وتهديد أنقرة في المقابل بإلغائه تماماً في أكثر من مناسبة.
بيد أن هذا الملف اليوم يلعب على وتر العلاقات التركية – الإيرانية المشدود أصلاً منذ فترة. فقد صرح نائب رئيس الوزراء التركي ويسي كايناك بأن ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ معظم من الأفغان متكدسون على الحدود الإيرانية – التركية بانتظار دخول تركيا والعبور منها إلى أوروبا. وكان اللافت في حديث الوزير التركي إشارته إلى “إشاعة” ما سرت بين الأفغان حول فتح أوروبا باب الهجرة لهم وما تضمنته من معنى “تعمد” توجيه اللاجئين بهذا العدد الكبير نحو الحدود التركية، فضلاً عن اتهامه للسلطات الإيرانية “بغض البصر” عن الأمر وعدم منعه أو حله.
الرد الإيراني على هذه التصريحات أتى هذه المرة من وزارة الخارجية وببيان مكتوب، وصف كلام الوزير بأنه “غريب وغير ذي علاقة”. لكن البيان تطرق أيضاً إلى تصريحات الرئيس التركي عن إيران واعتبرها “غير مقبولة” وأنها تهدف “لتبرير سياسات تركيا التوسعية في دول الجوار”. وكان اردوغان قد حذر مؤخراً من “تصاعد التوتر المذهبي” في العراق واعتبر أن الأحداث في العراق “عنصرية قومية تستمد دينامياتها من التوتر المذهبي”، موجهاً سهام نقده لإيران التي “طورت عنصريتها القادمة من التاريخ عبر سياساتها التوسعية في المنطقة” على حد تعبيره.
ويبدو ملف اللاجئين في السياق مجرد محطة جديدة في سلسلة من المحطات التصعيدية على مستوى الخطاب بين الطرفين وعلاقاتها المتدهورة. فقد باب من المعتاد أن يتطرق الساسة الأتراك “للسياسات الطائفية والمذهبية” لطهران ونسب “الميليشيات الشيعية” المقاتلة في سوريا إليها وتحميلها مسؤولية جرائم هذه الأخيرة هناك، بينما حذر أكثر من مسؤول إيراني مؤخراً من أن “صبر إيران ليس بلا حدود” داعياً تركيا إلى الكف عن “التدخل في شؤون دول المنطقة”.
إعلان
أرضية الخلافات بين أنقرة وطهران قديمة متجددة، وترتبط بعدة سياقات في مقدمتها:
أولاً، سياسات إيران التوسعية في المنطقة واستخدامها القوة الخشنة لفرض رؤيتها سيما في كل من سوريا والعراق بما يهدد الاستقرار الإقليمي.
إعلان
ثانياً، اعتماد طهران على عدد كبير من الميلشيات الدائرة في فلكها، وهي منظمات جمعت بين اللغة/الشعارات الطائفية من جهة والممارسات الميدانية التي اتهمت أحياناً بالتطهير العرقي أو المذهبي من جهة أخرى. وهي سياسة تنذر بمواجهات طائفية/مذهبية في المنطقة لطالما حذرت أنقرة من أن أنها إن اشتعلت فلن تبقي ولن تذر وستضر بكافة الأطراف في المنطقة.
ثالثاً، حالة التنافس في الإقليم. فكل تقدم لإيران يأتي بدرجة أو بأخرى على حساب دور تركيا ومصالحها، في ظل عدم تكافؤ الفرص القائم بين سياسة تركيا الناعمة حتى وقت قريب (لحظة درع الفرات) وسياسة إيران الصلبة/الخشنة.
إعلان
ومما يزيد من تأثير هذه السياقات على أوتار العلاقة المشدودة بين طهران وأنقرة التقاربُ الأخير بين تركيا والسعودية من جهة وخطاب ترامب الحاد ضد إيران من جهة أخرى، الأمر الذي قد يفسر حدة الخطاب التركي ضد إيران قبيل زيارة اردوغان لدول الخليج كما قد يفسر أيضاً الردود الإيرانية المتشجنة مؤخراً إزاء تركيا.
وعلى عكس المتوقع وملامح السياسة الخارجية لكلا البلدين، يبدو أن التوتر قد أثر أيضاً على التعاون الاقتصادي بينهما، إذ تراجع حجم التبادل التجاري بينهما من 21 مليار دولار عام 2012 إلى 9
سعيد الحاج – عربي 21
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=8862