ينتهي اليوم الأحد التقديم للمنح الدراسية التي توفرها الحكومة التركية سنويا للطلبة الأجانب بعدما تم تمديد المدة أسبوعا إضافيا نظرا للإقبال الكثيف على التسجيل بها، كونها تشمل جميع التخصصات تقريبا وجميع المراحل الدراسية (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه)، وتقدم خدمات وامتيازات للطلبة المشمولين فيها، كما تقدم ما لا يقل عن 4000 منحة سنويا، مما يؤدي لارتفاع نسبة القبول للمتقدمين.
وكانت رئاسة شؤون أتراك المهجر والمجتمعات ذات القربى (يي تي بي) الحكومية، أعلنت فتح باب التسجيل لبرنامج المنح الدراسية يوم 15 يناير/كانون الثاني الماضي لعام 2019 عن طريق الإنترنت.
وتعتبر المنحة التركية من أشهر برامج المنح الدراسية في العالم، حيث تجاوز عدد الطلاب الأجانب فيها أكثر من 17 ألف طالب وطالبة من جميع أنحاء العالم تستضيفهم تركيا ويتلقون تعليمهم حاليا في جامعاتها.
وتوفر المنحة للطلاب مكانا للسكن يتضمن وجبات طعام، كما يحصلون على راتب شهري وتأمين صحي مجاني، وتدفع المنحة ثمن أقساط التعليم وثمن تذكرة سفر الطلاب إلى تركيا، وكذلك ثمن تذكرة عودتهم إلى بلادهم بعد التخرج.
خمسة آلاف طالب
بدوره، قال مصدر مسؤول في رئاسة شؤون أتراك المهجر والمجتمعات ذات القربى الحكومية إن المنح التركية تمتاز -دون كونها تقدم المساعدة للطلاب في تعليمهم- بإعطاء المجال للطالب في اختيار جامعته وتخصصه دون الحاجة لتحصيل قبول من الجامعة بنفسه، والمرشحون يختارون 12 تخصصا وجامعة بناء على خلفيتهم الأكاديمية.
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه “في كل سنة يتم التقديم لطلب المنحة من أكثر من 160 دولة بما يزيد عن 130 ألف طلب، وتعتبر البلدان العربية أكثر الدول التي يتقدم طلابها للمنح التركية، خاصة سوريا واليمن وفلسطين والعراق”.
وتابع أنه على سبيل المثال يوجد أكثر من 300 طالب يمني يواصلون تعليمهم في الجامعات التركية ضمن برنامج المنح التركية. كما “يتقدم لطلب المنح التركية كل عام من اليمن وحدها أكثر 10 آلاف طالب، يحصل 200 منهم على المنحة التركية كل عام”.
ولفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن أكثر من 12 ألف طالب سوري يواصلون تعليمهم بمنحة كاملة أو جزئية، ويقوم برنامج المنح التركية بتغطية الأقساط الجامعية للطلاب السوريين الذين شرعوا بتعليمهم في الجامعات التركية.
وأرجع سبب ازدياد التقديم لطلب المنح التركية من الدول العربية إلى تحول تركيا لمركز تعليمي عالمي بفضل الجامعات التي تتمتع بامتيازات تعليمية ذات درجة عالية ضمن التعليم العالمي الدولي، إضافة لتقديم فرص جذابة للطلاب القادمين من الجغرافيا القريبة مثل الحياة الاجتماعية الآمنة والمناسبة للطلاب، وقرب المسافة والقيم الدينية والثقافية المشتركة.
وأوضح المصدر الحكومي أن اختيار المتقدمين يتم بصورة نزيهة من خلال النظر إلى العمر، والتفوق الأكاديمي، والنجاح، والمشاركة في النشاطات الاجتماعية والثقافية.
وأشار إلى أن تركيا تستثمر الأموال الهائلة في برنامج المنح بهدف توفير التعليم المميز لعدد كبير من الطلبة بحيث يصبحون بعد عودتهم إلى بلادهم سفراء بين البلدين، وعن طريقهم تتطور العلاقات التجارية والاجتماعية والثقافية.
وأكد أن تركيا تسعى من خلال برنامج المنح لتوفير الإمكانيات والاحتياجات اللازمة والكوادر المؤهلة لتنمية وتطوير الدول النامية والفقيرة، فعلى سبيل المثال، المنح الموجهة للطلبة السوريين تهدف إلى تأهيل الطلاب ليعودوا إلى بلدهم سوريا بعد انتهاء الحرب متخرجين يسعون لبناء بلدهم من جديد.
وختم المصدر بالقول “نتائج المنح التركية يتم إعلانها من خلال الموقع الإلكتروني في التقويم الأكاديمي لعام 2019، ومن المتوقع إعلان النتائج النهائية للمقبولين في شهر يوليو/تموز المقبل، وسيأتي الطلاب المقبولون إلى تركيا خلال شهر سبتمبر/أيلول للبدء في مسيرتهم التعليمية، ونسعى لقبول ما يقارب 5000 طالب لهذا العام”.
إقبال عربي كثيف
وفي هذا السياق، صرح مؤسس ورئيس منتدى الطلبة العرب في تركيا شادي البنا بأن هناك إقبالا شديدا من الشباب العرب على المنح التركية بشكل خاص، كونها كاملة التغطية المالية والخدماتية، على عكس كثير من المنح الدولية الأخرى التي تكلّف الطالب أعباء مالية لا يطيقها، إضافة إلى أن التقارب الثقافي والديني بين تركيا والعرب سبب في تفضيل تركيا عن غيرها.
وأرجع البنا سبب الإقبال الكثيف على المنحة التركية إلى شروطها الميسرة التي تعتبر في متناول شريحة واسعة من الشباب العرب، فهي لا تعتمد بشكل أساسي على المعدل الدراسي بقدر ما تعتمد على إنتاج الشخص الأكاديمي وخبراته الاجتماعية.
وعن الدول العربية الأكثر إقبالا عليها، قال للجزيرة نت إنها فلسطين والدول الفقيرة أو الواقعة تحت نزاع وصراع مثل اليمن وسوريا ومصر، حيث يجد الشباب العرب في تركيا جسرا لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم التي أكلتها النزاعات والبطالة والاحتلال وانعدام الحريات.
وأشار البنا، الباحث في مجال الإدارة التربوية، إلى أنه خلال 2019 طرحت إدارة المنح التركية 3735 برنامجا دراسيا لمختلف المستويات الدراسية، وبالمجمل تفضل الحكومة التركية التخصصات الإنسانية على العلمية.
وأضاف البنا “لمّا زاد إقبال الشباب العرب على المنح التركية كثر المتاجرون بأحلامهم، وقد وصلتنا شكاوى من طلاب يدفعون مبالغ طائلة لهؤلاء ثم لا يجدون شيئا، مما دفعنا لتأسيس المنتدى”.
وقال إن شعور العديد من الطلبة المقبولين السابقين بالامتنان للفرصة التي أتاحتها لهم الحكومة التركية جعلهم يقدمون خدمات تطوعية تساعد زملاءهم الجدد الراغبين في الحصول على منح دراسية.
ولفت إلى أنه تم تأسيس منتدى الطلبة العرب في يناير/كانون الثاني 2018، وهو يضم حاليا أكثر من 12500 عضو، تقدم من خلاله مجموعة من النصائح والخبرات التي من شأنها إبراز قوة المتقدمين، وكذلك تحذيرهم من المخادعين، وأن يكون حلقة وصل مع إدارة المنح التركية للاستفسار عن الإشكاليات التقنية لطبيعة الوجود في تركيا والمعرفة باللغة التركية.
وعن أهم الاستفسارات التي تردهم، قسمها البنا إلى ثلاثة أقسام، الأول متعلق بالجانب التقني والفني لآلية التسجيل، والثاني متعلق بالأسئلة التي تبرز قوة المتقدم وهي خطاب الدراسة الأكاديمية الذي يعتبر فيصل القبول النهائي، أما الثالث فيتعلق بالحياة الدراسية والمعيشية في تركيا بعد القبول النهائي.
جدير بالذكر أن هذا الإقبال في ازدياد مضطرد سنويا، فعلى سبيل المثال كان إقبال الطلبة الفلسطينيين في 2016 حوالي 20 ألف طالب متقدم، أما في 2018 أصبح أكثر من 30 ألف طالب وطالبة، قُبل منهم بعد المقابلات والتصفيات 170 طالبا وطالبة بالمستويات الدراسية الثلاثة.
تقييم الطلبة
ذكر الطالب الموريتاني محمد حيدرة مياه الذي يدرس دكتوراه صحافة في جامعة غازي بـأنقرة بعدما كسب المنحة التركية، أنه سجل فيها رغبة منه في إكمال دراسة الدكتوراه بعد حصوله على شهادة الماجستير في المغرب.
وأيضا بدافع تعلم لغة جديدة والتعرف على تركيا ذات التاريخ العريق والطبيعة الخلابة، موضحا أن الواقع الصعب الذي يعيشه الشباب العرب هو أهم ما دفعه للتسجيل في هذه المنحة، إضافة إلى صورة تركيا الحسنة في العالم العربي، ورغبة كثير من الشباب في الحصول على التعليم الجيد.
وعن تقييمه للمنحة بعد سنوات من الاستفادة منها، قال الطالب مياه للجزيرة نت “أنا سعيد بالامتيازات التي تقدمها المنحة لي، وكانت فترتي في سنة تعلم اللغة التركية هي الأفضل، أما في الجامعة فقد واجهت صعوبة في لغة المدرسين والمواد والدروس”.
وأضاف “فزت بالمنحة من بين عدد كبير من المتقدمين في بلدي بفضل المؤهلات الدراسية والشهادات والتكوينات التي قدمتها في ملف المنحة”.
وتابع مياه “تركيا منحتنا فرصة تعلم اللغة التركية والتعرف على الثقافة التركية، مما يجعلنا في حال عودتنا إلى أوطاننا بعد التخرج خير سفراء لها”.
من مواقع التواصل
أما الطالب الفلسطيني عصام الكحلوت فعلم بالمنحة التركية من مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتداولها الشباب العرب بشكل كبير، وفق قوله، مشيرا إلى أن إكمال الدراسة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون العام لأجل تحسين وضعه الوظيفي بوصفه محاميا وأكاديميا، وراء تسجيله للمنحة هذا العام.
وأضاف الكحلوت للجزيرة نت أن “المنحة التركية فيها العديد من المزايا التي قد لا توفر في منحة أخرى، كما أن الاستقرار الداخلي التركي، وطبيعة المجتمع التركي المحب للشعب الفلسطيني والعربي، يساهمان في حرصي على الحصول على المنحة وإكمال دراستي في تركيا”.
وأوضح أنه سجل في المنحة سابقا للحصول على درجة الماجستير، وحينما لم يحصل عليها بسبب الإقبال الشديد والمنافسة القوية، أكمل الدراسة في غزة، وبعد أن أنهى الماجستير تقدم مجددا للمنحة لنيل درجة الدكتوراه، متأملا الحصول عليها هذا العام خاصة بعدما أرفق العديد من المتطلبات التي قد تساهم في رفع مستوى فرصة حصوله عليها.
المصدر : الجزيرة
المصدر : https://arab-turkey.net/?p=89928